تعز بين انتقام عفاش واستغلال الإصلاح وموقف الحوثي.. تقرير

خاص – المساء برس| تقرير: يحيى محمد الشرفي|

منذ أحداث العام 2011 ظلت تعز المحافظة المنبوذة من قبل علي عبدالله صالح وعائلته وأبنائه لكونهم رأوا في هذه المحافظة بأنها السبب في إسقاطه من السلطة وإنهاء طموحه بتوريث الحكم لنجله أحمد.

وبعد تحالف صالح مع حركة أنصار الله في أعقاب الأسابيع الأولى من شن الحرب من قبل التحالف ضد اليمن في 2015، استغل صالح وأبناء أخيه وأقاربه استمرار نفوذهم على مفاصل الجيش والأمن حيث ظلوا يحتفظون بهذا النفوذ حتى وقت قريب من مقتل صالح في أحداث ديسمبر 2017، وخلال تلك الفترة أي ما بين 2015 حتى نهاية 2017، حاول صالح وعن طريق ابن أخيه طارق محمد عبدالله صالح استغلال استمرار سيطرتهم على قوات الحرس الجمهوري والأمن المركزي من أجل الانتقام من أبناء محافظة تعز تحت غطاء مواجهة العدوان وأدواته المحلية من مقاتلين محليين أبرزهم بالطبع مقاتلي حزب الإصلاح.

عفاش وسياسة الانتقام من الخصوم وتوريط الحلفاء المؤقتين

حاول صالح حينها ضرب عصفورين بحجر واحدة، أولاً: الانتقام من أبناء تعز الذين كان يرى فيهم السبب الرئيسي في الإطاحة به من السلطة، وذلك من خلال تنفيذ ما أمكن من جرائم القصف التي كانت تستهدف المدنيين ثم أعقب ذلك تدشين مرحلة جديدة من الانتقام من خلال نشر طارق صالح عناصره من القناصين الذين أدّوا دورهم كما طُلب منهم حرفياً بتعمد استهداف المدنيين بما في ذلك استهداف حتى النساء، وثانياً: خلق العداء والكراهية بين أبناء تعز وأنصار الله وهذا الهدف كان جزءاً من سياسة صالح في تلك الفترة لتشويه صورة أنصار الله لدى الشارع اليمني، فعمليات القصف بالمدفعية مثلاً بشكل عشوائي ضد مليشيا حزب الإصلاح داخل مدينة تعز كان جزءاً من هذه العمليات يقع ضحيته المدنيون، فحاول قيادات أنصار الله تلافي الأمر لكنهم فشلوا بسبب نفوذ عفاش العسكري في جبهات تعز بالكامل سواءً على مستوى القيادة أو الأفراد المنخرطين في سلاح المدفعية، فما كان من قيادة أنصار الله إلا أن قرروا سحب وحدات المدفعية بالكامل من جبهات القتال وخطوط التماس، ليقوم بعدها طارق صالح بنشر القناصين لاستكمال المهمة.

إجراءات أنصار الله

بعد أحداث ديسمبر ظل تأثير بقاء القيادات المحسوبة على صالح في الجيش قائماً ومؤثراً في جبهات تعز حتى بعد مقتل صالح، لكن ذلك لم يدم طويلاً إذ سرعان ما انكشفت أوراق عفاش بعد التطورات العسكرية الخطيرة التي شهدتها جبهة الساحل الغربي، فعملت قيادة الجيش التي كانت قد آلت بالكامل لأنصار الله بعد انتهاء أحداث ديسمبر على غربلة الصفوف القيادية وغربلة المواضع الحساسة في الميدان وهو ما قطع أذرع أبناء عفاش من قيادة الجيش والأمن في تعز لتنتهي بعد ذلك عمليات استهداف المدنيين التي كانت تتكرر بين فترة 2015 وحتى نهاية 2017.

بقاء نفوذ عفاش وأبنائه في مناطق سيطرة التحالف بتعز

تغير الوضع في الميدان بتعز بعد مقتل صالح في مناطق سيطرة قوات صنعاء، كان يفترض أن يتكرر أيضاً في مناطق سيطرة التحالف ومليشيات حزب الإصلاح المسيطرة على المدينة وريفها الجنوبي والغربي لأن صالح وكما كان يحتفظ بنفوذه في الجيش والأمن في مناطق سيطرة أنصار الله كان أيضاً يحتفظ بعناصر بأتباع له داخل قوات الجيش في مناطق سيطرة التحالف، لكن الوضع في هذه المناطق لم يتغير بعد مقتل صالح، بدليل استمرار الصراع والفوضى والانفلات الأمني في مناطق سيطرة التحالف والإصلاح بتعز حتى اليوم ما يعني أن طارق صالح استلم بعد مقتل عمه قيادة هؤلاء العناصر مستغلاً وضعه من قبل الإمارات في المخا لكي تكون منطلقاً لعملياته التي تستهدف ضرب الإصلاح في معقله، ولكون الإصلاح فاشل في إدارة حتى مدينة صغيرة وبسبب ازدواجية معايير الإصلاح ووضع كامل بيضه في سلة التحالف فقد عجز عن حماية مناطق سيطرته من نفوذ وعبث أبناء عفاش بمناطق سيطرته.

الإصلاح والاعتراف بالفشل في مواجهة عفاش

الآن الإصلاح لا يستطيع الاعتراف بفشله في حماية مناطقه من الفوضى الأمنية، فيذهب إلى اتهام خصومه في تلك المناطق وأبرزهم طارق عفاش الذي يقول قيادات الإصلاح من أبناء تعز بأنه يريد الإطاحة بالإصلاح من السلطة في تعز وتعيين قيادات مدنية وعسكرية ليتمكن طارق من تأمين بقائه في الساحل عبر السيطرة على الريف الجنوبي الغربي لتعز المطل على الساحل الغربي حتى باب المندب.

تبريرات جناح عفاش بشأن الفوضى بتعز

فيما قيادات من المؤتمر أو محسوبة على عفاش ترى بأن ما يحدث من فوضى في تعز وتصاعدها بشكل لافت منذ تعيين السعودية سلطة جديدة موالية لها بدلاً عن هادي ومحسن، هو نتاج طبيعي للضربة التي تلقاها الإصلاح من التحالف مؤخراً وهو ما انعكس على مدى تأثير قياداته في الوضع في تعز وبالتالي تفكك ميليشياته وفقدان القيادات السيطرة عليها، وأكثر ما كان له تأثير في تعز عسكرياً داخل معسكر الإصلاح تحديداً هو الإطاحة بعلي محسن الأحمر الذي كان يحتفظ بنفوذ وسيطرة على الجانب العسكري في هذه المحافظة.

خيانة الإصلاح لتعز.. خزان بشري لحرب التحالف ضد اليمن

الإصلاح ورغم أن تعز كانت من أبرز المحافظات التي يملك فيها قاعدة بشرية ورغم قدرته على التأثير في أبناء تعز بشكل عام عبر خطابه الإعلامي ودغدغته لعاطفة أبناء المحافظة عن طريق رجال الدين، إلا أنه لم يحافظ على هذا الحضور ولم يبادل الحزب الإخواني أبناء تعز الوفاء بالوفاء فذهب إلى استغلال هذه الورقة التي بيده لتحويل تعز إلى خزان بشري يقود أبناءها إلى جبهات القتال خدمة للسعودية ومحاولة لنيل رضاها، لكنها في النهاية رمت به بعد أن استخدمته 7 سنوات متواصلة.

أنصار الله وتعز

ليست مبالغة إذا ما قلنا أن الطرف اليمني الوحيد الذي تعامل مع أبناء تعز باحترام وتقدير وبرغبة في عدم تعرض تعز بشراً أو حجراً لأي دمار جراء الحرب هي حركة أنصار الله التي رأت أن الانسحاب من مدينة تعز خير لها من البقاء في مدينة أصبح أبناؤها مشحونين بفعل التأثير الإعلامي والديني لجماعة التحالف، بغضاً وكراهية ضد أنصار الله، فقرروا الانسحاب لتجنب المزيد من الصدام العسكري بينهم وبين المغرر بهم من أبناء تعز.

بالنسبة للحصار فإن من غير المنصف أن نذهب كما الإصلاح لتحميل سلطة صنعاء المسؤولية، لأن سلطة صنعاء – وباعتراف حمود سعيد المخلافي بنفسه في لقاء له على قناة الجزيرة – سبق وأن عرضت على الإصلاح في تعز تجنيب المحافظة الحرب وفتح الطرق في تعز أو على الأقل فتح طرق بديلة، إلا أن قيادات الحزب رفضت ذلك، ولم يكن هناك تفسير منطقي لموقف الإصلاح المستغرب لا عسكرياً ولا سياسياً، لكن تبين لاحقاً أن الحزب أراد أن يستخدم تعز ورقة متاجرة وابتزاز سياسي وإعلامي على المستوى الإقليمي والدولي.

لو كان الإصلاح يهتم لمصلحة أبناء تعز، لما تركهم يعانون أثناء السفر عبر طرق جبلية وعرة، ولكان الحزب المسيطر على السلطة وعلى الموارد قد استغل جزءاً يسيراً جداً جداً مما ينهبه مسؤولو سلطة التحالف من أموال وثروات، لصالح سفلتة وتوسيع الطرق الوعرة والجبلية التي يمر منها المسافرون ويستخدمونها كبديل عن الطرق الرئيسية الأخرى المغلقة بفعل الحرب ومرورها عبر خطوط التماس العسكرية بين قوات صنعاء وقوات الإصلاح والتحالف.

باختصار، فإنه وبمقارنة بسيطة بين الأوضاع المعيشية والأمنية والاجتماعية في مناطق سيطرة حكومة صنعاء بتعز مع الأوضاع ذاتها في مناطق سيطرة الإصلاح والتحالف في بقية المحافظة، يمكن إدراك من هو الطرف الحقيقي الذي يكن العداء لتعز ويستغلها ومن هو الطرف الحريص مصلحة أبناء هذه المحافظة.

قد يعجبك ايضا