هل تستغل الصين انشغال العالم بأوكرانيا لتهاجم تايوان؟

وما يسطرون – اسامة عبدالرحمن جميل – المساء برس|
تايوان (جمهورية الصين) هي جزيرة تقع على بحر الصين الشرقي وتتكون من جزيرة كبيرة وبعض الجزر الصغيرة يعيش فيها حوالي ٢٤ مليون انسان تتميز بالصناعات التكنولوجية المتقدمة وهي أكبر منتج لرقائق الحاسوب واشباه الموصلات الأكثر تقدما في الأرض ويحتل اقتصادها الرقم اثنين وعشرين عالميا .
بعد قيام الثورة على الإمبراطورية في الصين في عام ١٩١٢م سيطر الكوميتانغ على مقاليد الحكم واعلن اول رئيس منتخب نفسه امبراطور جديد! ثم سرعان ما بدأت الاقاليم الصينية بالتفكك واعلان نفسها امبراطوريات مستقلة من قبل امراء الحرب.
ثم بدأ ماو تسي تونغ بنشر تعاليمه لسيطرة الشيوعيين بدعم من الماركسيين الروس لينتهي الامر في العام ١٩٤٩ بسيطرة الشيوعيين على أراضي الصين بالكامل وفرار جماعة الكوميتانغ الى جزيرة تايوان واعلانهم قيام جمهورية الصين والتي اعترف بها العالم كممثل شرعي لدولة الصين في الأمم المتحدة، بينما لم يعترف الا الاتحاد السوفييتي والدول الاشتراكية بجمهورية الصين الشعبية التي اعلنت عام ١٩٤٩م وقامت على معظم التراب الصيني.
ولكن بعد ارتفاع حدة الخلافات بين السوفييت والصينيين في الخمسينات والستينات بدأت حقبه من التقارب بين الصين الشعبية وامريكا لتنتهي بتغيير الكيان السياسي وصاحب حق العضوية عام 1971 لحق جمهورية الصين الشعبية بناءً على القرار رقم 2758 والصادر عن جمعية الأمم المتحدة باعتبار جمهورية الصين الشعبية هي الممثل الشرعي الوحيد للكيان السياسي السابق والذي عرف بجمهورية الصين الموحدة قبل نشوب الحرب الأهلية عام 1949 والتي ترتب عنها سيطرة الشيوعيين على الصين المعروفة الآن باسم جمهورية الصين الشعبية في حين سيطر القوميون على جزيرة تايوان جمهورية الصين.
لم تطالب الصين كثيرا بتايوان في فترة الحرب الباردة بينما حدث العكس دائما حيث استمر الحزب الحاكم الكومينتانغ دائما بالمطالبة بتوحيد الصين تحت حكمهم حيث استمر هذا الحزب بحكم تايوان بشكل منفرد (حكم حزب واحد).
في العام ١٩٨٠م بدأت تايوان بالتحول السلمي للديمقراطية والتعدد الحزبي ووصل عام ١٩٩١م اول حاكم للجزيرة من خارج الكومنتانغ .
بدأت الصين برفع مطالبها بضرورة عودة تايوان للوطن الام بعد أن حققت زيادة في النمو الاقتصادي والعسكري من التسعينات ولكنها لم تقدم على أي تحرك حقيقي بهذا الخصوص.
تكررت الدوريات العسكرية الامريكية في منطقة مضيق تايوان باستعراضات عسكرية ضخمه استوعبها الصينيين وتراجعوا للوراء كثيرا وخففوا حدة مطالبهم بعودة الجزيرة حتى العام ٢٠١٠م.
بدأت الصين باستراتيجية تحديث وتطوير قواتها العسكرية البحرية ابتداء من العام ٢٠١٠م وكان الهدف هو منع قدرت القوات الامريكية بالاقتراب من المياه الإقليمية للجزيرة ولكن الامريكان واصلوا ارسال المدمرات وحاملات الطائرات لتوجيه رسالة واضحة بالردع، وبالرغم من عدم اعتراف أي دولة مهمة رسميا بجزيرة تايوان كدولة ويتم تسميتها بحكومة تايوان وليس دولة ، ولكن وقعت الحكومة الامريكية اتفاقيات تعاون عسكري وتقوم بإمداد الجزيرة بأحدث الأسلحة لتطوير قدراتها الدفاعية.
لا يزال الدستور التايواني ينص ان البلد جزء من ارض الصين وان تايوان تسعى لاستعادة جميع اراضي الصين من الشيوعيين ، في العام ٢٠١٨م كانت القوات البحرية الصينية قد وصلت لمستوى متقدم وقوة نارية تكفي لمنع أي استعراض عسكري امريكي في المنطقة وتوقف الجيش الأمريكي عن ارسال الاساطيل وتحول لإرسال سفن حربية اصغر حجما وفي مناطق بعيدة عن مناطق تماس الجيش الصيني .
في العام ٢٠٢١ م بدأت القوات الصينية بإعداد مناورات ضخمة تحت عنوان تحرير تايوان شملت المناورات حاملة طائرات ومدمرات ومئات السفن وعشرات الالاف من قوات المارينز الصينية ، وتقوم الطائرات الاستراتيجية الصينية منذ بداية العالم ٢٠٢١م باختراق الأجواء التايوانية بما لا يقل عن ١٢ مرة في اليوم ، ويتم إحصاء مئات الاختراقات بشكل شهري ، حيث يوجه الصينيين رسالة واضحة ( نحن اقوى ولا يمكن ردعنا ، ولا يمكن اعتراض او ضرب طائراتنا وسفننا).
في نفس العام ٢٠٢١م صرح قائد القوات الأمريكية في منطقة المحيطين الهندي والهادئ الأدميرال “فيليب ديفيدسون” من أن الصين قد تغزو تايوان في غضون ست سنوات لتحقيق هدفها المعلن بالحلول محلّ الولايات المتحدة كأكبر قوة عسكرية في المنطقة، واكد ان الصين تقوم بتسريع تطوير قدراتها للقيام بعملية غزو شاملة لتايوان وانها يمكن ان تبدأ عملياتها الهجومية في أي لحظة من الان حتى العام ٢٠٢٧م واكد ان الامر لن يكون مفاجئًا اذا حصل بعد عام من الان!!
يتفق الكثير من الاستراتيجيين الان ان الصين قد حققت تفوق نوعي عسكري في منطقة بحر الصين الجنوبي والشرقي على خصومها في المنطقة بما يتضمن قواعد الجيش الأمريكي وقواته المنتشرة هناك.
في المقابل ردت الصين ان تايوان هي جزء من الصين وانها ستعيدها لوطنها الام وانها تسعى لضم سلمي يضمن حكم ذاتي لتايوان مشابه للوضع في هونغ كونغ ، وقالت ان التحذيرات الامريكية من غزو وشيك هي مجرد مبالغات من الصناعة العسكرية التي تدفع الحكومة والكونغرس الامريكي لضخ مزيد من الاموال لصالح التصنيع العسكري بينما يسعى البينتاغون لإعادة الهيمنة العسكرية الامريكية على المنطقة او تحقيق توازن الذي فقده مقابل التفوق الصيني في الوضع الراهن.
هناك نقطة إضافية يجب ذكرها قبل الدخول بشرح امكانية نشوب الحرب ، هناك ارخبيل جزر تسمى يابانيا بجزر سينكاكو، بينما يسمي نفس الجزر الصينيين (دياويو) و هذه الجزر غير مأهولة بالسكان، وتمتد مجموعة الجزر هذه على الجرف القارّي لبحر الصين الشرقي بحيث تبعد حوالي 170 كم شمالي تايوان حوالي 400 كم غربي أوكيناوا اليابانية كما تبعد عن جزيرة إشيجاكي اليابانية حوالي 170 كم، وتبعد أقرب نقطة من البر الصيني عن الجزر حوالي 300 كم . و تمت إعادة السيطرة عليها من قبل اليابان عام 1972. و قد طالبت كل من جمهورية الصين الشعبية وجمهورية الصين (تايوان) باستقلال هذه الجزر منذ عام 1970-1971م، تتمثل مشكلة هذه الجزر التي تسببت بكثير من توتر العلاقات بين الصين واليابان على الأقل منذ العام ٢٠١٢م بعد ان اعلنت الحكومة اليابانية شراء الجزر من مالكيها رسيما وهي ايضا تقع على منطقة غنية جدا بالثروات البترولية وتمتلك احتياطات كبرى من الغاز يقول اليابانيين ان الصينيين والتايوانيين لم يبدوا اي اهتمام من قبل الا بعد ظهور مؤشرات وجود الثروات.
الان امريكا تنظر لتايوان انها المنطقة التي تمنع الصين من احكام السيطرة على بحر الصين الجنوبي والشرقي وهو الامر الذي بإكتماله يعني انتقال التنافس العسكري الى المحيط الهادئ بشكل اساسي وهو امر يعتبره الامريكان اهم مجال حيوي لامريكا، فمن ذلك المكان هاجم اليابانيين بيرل هاربر اثناء الحرب العالمية الثانية.
قامت الصين ضمن استراتيجية تعزيز قواتها العسكرية ببناء مجموعة من الجزر الصناعية في الشق الجنوبي من بحر الصين الجنوبي بمحاذاة الفلبين للإستفادة من قانون المياه الاقليمية التابعة للارض، ولتوسيع نطاق سيطرتها القانونية البحرية ولكن لا أحد يعترف بأحقية الصين بهذه الجزر بينما ينشر الصينيين قوات بحرية هائلة لتاكيد هذا الحق ، تتضرر الفلبين وفيتنام من التوسع الصيني البحري وتقولان ان الصين التهمت بالفعل مناطق بحرية للدولتين.
لهذا فأن تايوان هي المنطقة المتبقية لإحكام السيطرة وإبعاد القوات البحرية الدولية من النطاق الحيوي للصين ، تعتقد امريكا انه كلما تأخر عودة تايوان الى صين كلما تأخرت الطموحات الصينية للوصول للتفوق العسكري الشامل قبل ٢٠٥٠م.
لماذا قد لا تقدم الصين على عمل عسكري وشيك؟
الان يجب فهم ان النظام الصيني هو نظام حزب واحد بالرغم انه قد احدث الكثير من التغييرات مؤخرا التي رفعت صلاحيات امين عام الحزب ورئيس البلاد شي جين بينغ، ولكن، لا يمكن مقارنتها ابدا بنظام الحكم الفردي في روسيا التي يمتلك فيها الرئيس الان صلاحيات شبه مطلقه .
بمعنى ان الرئيس الصيني لا يمكنه اتخاذ قرار الحرب فجأة بدون موافقة وتفهم الجيش ومجلس الشعب وكثير من القوى الحاكمة داخل الحزب وبالتالي تؤكد الصين ان طموحاتها في رفع قدراتها العسكرية هي بغرض تأمين المياه الدولية والمساهمة اكثر في جهود حماية طرق الملاحة وتعزيز الامن الدولي وانها لا تعترض ابدا على القانون الدولي الحالي او النظام الدولي الحالي وانها تعتقد أنها شريك فيه وأنها ملتزمة بقوانين واتفاقيات الامم المتحدة ولا تسعى للتصرف بعيد عن الشرعية الدولية ، اليابانيين ايضا يعتقدوا ان الصين لن تغامر بقرار مفاجئ يعرضها لكثير من الضغط على اقتصادها وانهم يروا ان هناك كثير من البرغماتية ومحاولة للاندماج بدل الصراع مع العالم من الصينيين ، وان القيادة الصينية لن تغامر بإجراءات يصعب تفسيرها لشعبها.
أمريكا تصعد منذ فترة من لهجتها ضد الصين وتقول ان الصين ستقدم على غزو تايوان كما كان الحال في اوكرانيا في السنة الاخيرة ، لكن المعركة في تايوان كان يكثر الحديث عنها في عهد ترامب بينما لم تذكر اوكرانيا كثيرا في ذلك الوقت الا بشكل سلبي من ترامب ، بينما يقل حديث الديمقراطيين عن تايوان ويرتفع بشده في اوكرانيا، يرى الديمقراطيون ان روسيا لا تزال تمثل المشكلة الأكبر بالنسبة لامريكا وان تقاربها مع اوروبا يعني ابتعاد الحاجة لأمريكا في المنطقة وايضا تلاشي الحاجة للناتو في اوروبا، لهذا تدفع دائما للصراع بين الناتو وروسيا، ويبدوا ان الامر تحقق مؤخرا!!
بينما تخفف من حدة لهجتها تجاه تايوان ولا تسعى لاستفزاز الصين كثيرا، بعكس ترامب الذي يرى بضرورة استباق ضرب الصين بينما لا يزال يمكن لامريكا القيام بذلك.
كوريا الجنوبية مثلا تقول انها لن تتدخل في اي صراع قد ينشأ في المنطقة وتقول انها ستلازم الحياد، اليابان تقول انه في حالة دخول الجيش الصيني في مناطق المياه الاقليمية لجزر سينكاكو فانها ستعتبر الامر حرب على اليابان وستفعل اتفاقية الدفاع المشترك مع امريكا، الناتو والاتحاد الاوروبي عبر اكثر من مرة انه لا يرغب في ان يكون جزء من حرب باردة بين الصين وامريكا ، بينما تقول بريطانيا ‘التي تحكم ملكتها استراليا ونيوزيلاندا وغينيا الجديدة في نفس المنطقة’، إنها تعتبر تحركات الصين خطرا كبيرا على استراليا وقد شكلت تحالف يشمل أستراليا وامريكا وبريطانيا يهدف لردع الطموحات الصينية اثار استياء كبير لدى فرنسا والاتحاد الاوروبي؛ لانه جاء على حساب نفوذ واتفاقيات كانت قد تم توقيعها مع استراليا .
في حديث للرئيس الصيني تشي بمناسبة الذكرى السنوية الـ ١١٠ للثورة، التي أطاحت بآخر سلالة إمبراطورية في الصين في عام ١٩١٢، قال تشي إن الوحدة من خلال “الطريقة السلمية أكثر انسجاما مع المصلحة العامة للأمة الصينية، بما في ذلك مواطنو تايوان”. لكنه أضاف: “لا ينبغي لأحد أن يستهين بعزيمة الشعب الصيني الراسخة، وإرادته وقدرته القوية على الدفاع عن سيادته الوطنية وسلامة أراضيه”.
وقال: “المهمة التاريخية لإعادة توحيد الوطن الأم على نحو كامل يجب أن تتحقق، وبالتأكيد سوف تتحقق”. وقال تشي إنه يريد أن يرى الوحدة تحدث بموجب مبدأ “دولة واحدة ونظامان”، على غرار ما حدث مع هونغ كونغ.
وبينما أعربت عدد من الدول الغربية عن القلق إزاء استعراض الصين للقوة العسكرية، قال الرئيس الأميركي، جو بايدن، إن تشي وافق على الالتزام بـ”اتفاقية تايوان”. وبدا أن بايدن يشير إلى سياسة “صين واحدة” التي تنتهجها واشنطن منذ فترة طويلة، والتي تعترف بموجبها بالصين بدلاً من تايوان.
الصين بالنهاية تقول انها لن تقدم على عمل عسكري الا في حالة واحده، وهي اعلان تايوان رسميا إستقلالها كدولة ، بينما لا تظهر مؤشرات لوجود رئيس وزراء من نوع زيلينكسي (رئيس اوكارنيا ) على الاقل حاليا في تايوان، تهو الذي يمكن ان يحول بلادة الى ساحة معركة لردع خصوم امريكا بينما هو يعلم ان امريكا لا يمكن ان تعلن الحرب للدفاع عن تايوان ، ولهذا اعتقد ان قرار ضم تايوان لا يمكن ان يحدث الان خصوصا ان السياسات الناعمة الصينية تقوم اساسا على تجنب الحرب والمواجهة والاعتماد على التطور العسكري النوعي الذي يؤدي للتفوق الاقليمي والذي يفرض على الخصم التراجع والتفكير كثيرا قبل الإقدام على الحرب لتسهيل عملية تحقيق التنازلات.

بينما ارجح ان الصين تسعى الان لاستغلال الوضع في أوكرانيا للتأثير على الناخب في تايوان للدفع بمرشحي الحزب الذي يؤيد انضمام تايوان الى الصين باتفاقية تضمن حكم ذاتي والحفاظ على النظام الاقتصادي والسياسي للجزيرة ويعتقد بشكل واسع ان وصول مرشح الحزب الى سدة الحكم قد يؤدي الى التوحيد بدون حرب وفقا لبرنامج مفاوضات طويل لا تعارضه الصين.

قد يعجبك ايضا