في حوار خاص مع “المساء برس” الباحث السياسي السعودي المعارض د. فؤاد إبراهيم: السعودية خسرت الحرب في اليمن وتبددت أهدافها

حوار خاص – المساء برس|

قال الباحث والناشط السياسي السعودي المعارض، الدكتور فؤاد إبراهيم، إن السعودية اليوم، بعد ست سنوات من الحرب، باتت في موقع الخاسر، وإن المعادلات الميدانية انقلبت، مشيرًا إلى أن رهان الرياض الرئيس في أيام الحرب الأولى كان مرتكنًا على سلاح الجو الذي فشل ولم يعد امتيازًا سعوديًا – أمريكيًا، بعد امتلاك صنعاء لهذا السلاح واستخدامه بكفاءة عالية ورادعة.

وأشار المعارض السعودي البارز، في حوار خاص مع “المساء برس”، إلى أن المبادرة السعودية للسلام – في هذا الوقت، التي هي أمريكية بامتياز، تعد إقرارًا غير مباشر بهزيمتها، إذ أنها، وفق إبراهيم، كانت تريد حسم الحرب عسكريًا إلا أن فشلها دفعها إلى مناورة السلام لتعويض ما خسرته في الحرب.

وعن الهجمات اليمنية بالمسيّرات والصواريخ الباليستية في العمق السعودي، بعد ادعاء السعودية تدمير كل إمكانات الجيش اليمني الصاروخية في بداية الحرب، أوضح الدكتور إبراهيم، أن الرد اليمني على الاعتداءات السعودية بالصواريخ الباليستية والطائرات المسيّرة بضرب مراكز حيوية استراتيجية داخل العمق السعودي بعثر كل هذه الادعاءات.

نص الحوار:

حاوره| عبدالحميد شروان

 

1-كيف تقرأ موقف ومكان السعودية اليوم بعد ست سنوات من الحرب على اليمن؟

 

–  في القراءة العكسية لمسار الحرب على اليمن، تقف السعودية بعد ست سنوات في الموقع الخاسر، ليس فقط بفعل انقشاع وهم الانتصار الخاطف الذي وعدت به جمهورها، أو تبدد الأهداف التي رسمتها منذ الأيام الأولى للعدوان، ولكن لانقلاب المعادلات الميدانية. كان الرهان الرئيس في الأيام والأسابيع الأولى للحرب على سلاح الجو بأن يحسم المعركة، أو في الحد الأدنى التمهيد بتغيير الموازين العسكرية على الأرض، ولكن بحساب إجمالي نجد أن الجو لم يعد امتيازا سعوديًا ـ أميركيًا خالصًا، فقد نجح اليمنيون في مزاحمة قوى العدوان في هذا السلاح الذي يستخدم اليوم بكفاءة عالية ورادعة. ولربما، يمكن القول بأن الجو الذي أرادت قوى العدوان أن تحسم به الحرب، أصبح هو ولكن من الجانب اليمني هو الذي سوف يحسم وقفها.

 

2-ما هي أبعاد وحيثيات إعلان المبادرة السعودية للسلام في هذا الوقت وهل للإدارة الأمريكية الجديدة دور في إعلان السعودية لها؟

– إعلان السعودية عن مبادرة سلام وبصرف النظر عن مضامينها والأفخاخ الكامنة فيها هو إقرار غير مباشر بالهزيمة. ولو كانت السعودية في موقع المنتصر لم تقدم على مثل هذه المبادرة، فهي كانت تريد حسم الحرب عسكريًا بتحقيق انتصار ميداني تفرض هي شروطه على الجانب اليمني. ولكن لأنها خسرت الحرب، فهي تلجأ الى مناورة السلام لعلها تعوّض ما خسرته في الحرب.

المبادرة السعودية هي أميركية بامتياز، ولكن لأن الولايات المتحدة لا تريد ان تحسب طرفا في الحرب، على الرغم من أن إعلانها كان من واشنطن، فهي تقدّم المبادرة للسعودية جاهزة وما على الأخيرة سوى تبنيها تمامًا كما الحال مع المبادرة الخليجية التي صاغها السفير الأميركي السابق في صنعاء جيرالد فايرستاين الذي قدّمها لنائب الرئيس الاميركي آنذاك جو باين، الرئيس الحالي، وقدّمها للملك عبد الله لتخرج وكأنها صناعة سعودية ـ خليجية.

الأميركي هو من يفاوض نيابة عن السعودية وحليفاتها، وهو من بيده قرار الحرب والسلم، وهذا ما بات واضحًا وفاضحًا، ويعلمه المفاوض اليمني منذ اليوم الأول للحرب.

 

3-هل نستطيع القول إن اليمن كسرت رهان محمد بن سلمان في اتخاذ اليمن كسلم للوصول إلى الملك وتقديم نفسه كوكيل لتبني مصالح الغرب وإسرائيل في المنطقة؟

– كان حلم محمد بن سلمان أن يعود من الحرب على اليمن فاتحا، ليتوّج نفسه ملكًا في الداخل، بموجب شرعية الانجاز العسكري الذي كان يأمل تحقيقه، ووكيلا وظيفيا للولايات المتحدة والغرب بصفته القائد الذي استطاع كسر شوكة أحد أكبر القوى المهددة للمصالح الغربية في الجزيرة العربية. ولكن آماله تبخّرت، وراح يتخبط في سياسات عشوائية داخلية وخارجية لم يحص منها سوى الخيبات.

قد يصل ابن سلمان الى العرش، لأننا في بلد لا مكان فيه للكفاءات والخبرات، وقد يتبوأ الفاشل والقاتل أيضًا، ولكن للعالم أن يتصوّر طبيعة الدولة التي يديرها مثل هؤلاء، والمستقبل الذي ينتظر أبناءها.

 

4-لماذا تصر السعودية على اعتبار أنصار الله أنهم طرف تابع لإيران؟

 

– نفي الصلة بين أنصار الله وايران من وجهة نظر السعودية هو احتقار لها، فإذا ما هزمت فقد هزمت من جماعة وليس من دولة، وهذه حقيقة لا تريد الاذعان لها. بكلمات أخرى، السعودية تبعث برسالة الى العالم طلبا للدعم وفي الوقت نفسه لتبرير هزيمتها بأنها لا تحارب حركة أنصار الله بل تحارب ايران في اليمن. وبعد ست سنوات من العدوان لم تستطع السعودية أن تقدّم دليلًا واحدًا على وجود مقاتلين إيرانيين في صفوف الجيش واللجان الشعبية وأن من يجرّعها الهزيمة تلو الأخرى هم أبناء الأرض. على أية حال، فإن العالم بات على دراية تامة بأن أنصار الله هي حركة تحرير وطنية تدافع عن اليمن واستقلاله، وأن السعودية وحليفاتها قوى عدوانية اختارت الحرب لمنع اليمنيين من استكمال شروط بناء دولتهم الوطنية الحرّة بعيدا عن التدخلات الاجنبية الاقليمية والدولية، وهو ما تسعى السعودية والولايات المتحدة الى منعه، لأن استقلال اليمن يمثّل مشكلة بالنسبة لقوى الهيمنة.

 

5-في بداية الحرب على اليمن، أعلنت السعودية تدمير كل إمكانات أنصار الله العسكرية ونجاح عملية ما تسمى “عاصفة الحزم”، كيف سيؤثر بعد هذا المعطى، تكرار استهداف قوات صنعاء للداخل السعودي، لا سيما عصب الاقتصاد، على مكانة السعودية في المنطقة، وعلى مكانة بن سلمان داخل الأسرة الحاكمة من جهة، وشعبيًا من جهة أخرى؟

 

– الرد اليمني على الاعتداءات السعودية وضرب مراكز حيوية داخل العمق السعودي هو الجواب العملي على دعوى تدمير القدرة القتالية والعسكرية لحركة أنصار الله. المخزون الصاروخي والباليستي وتطوّرها بوتيرة لافتة جعل من أي كلام عن تحقيق أهداف عملية “عاصفة الحزم” في شهرها الأول ثم أهداف “إعادة الأمل” في الشهر الثاني ثم البيانات العسكرية التي كان يعلن عنها المتحدث العسكري باسم التحالف العسيري أول مرة والمالكي في الأخرى وما تشتمل عليه من انجازات عسكرية وهمية، تطايرت على وقع دوي المسيرات والصواريخ الباليستية اليمنية التي كانت تتساقط على مراكز حيوية بما فيها قصر اليمامة للملك سلمان ومنشآت نفطية في رأس تنورة والظهران وبقيق وغيرها..

ما حققه اليمنيون في الشهور الأخيرة على مستوى عمليات توازع الردع عبر إطلاق المسيرات والصواريخ الباليستية، فضلًا عن العمليات الميدانية وعلى وجه الخصوص في جبهة مأرب، قلبت موازين القوى على الأرض. السعودية اليوم عاجزة عن وقف مسلسل الانهيار، وتخشى تداعياته الاقتصادية والسياسية والامنية والشعبية، ولذلك لجأت الى السلم مرغمة وليس طواعية.

 

6-هناك من يرى أن أمريكا سعت لعزل السعودية عن كل محيطها، لتفقد أي تضامن أو مساعدة من جيرانها في حال تعرض أمنها القومي لعدوان أجنبي أو ما شابه، هل يمكن القول إنها نجحت في مساعيها، وفي حال نجاحها ما هو المخرج الوحيد للرياض من هذا المأزق؟

 

– في تقديري الولايات المتحدة شريك رئيس في الحرب وهي من دفعت السعودية للتصدي لها بالمال والسلاح والرجال والأرض. وقد شكّلت لهذا الغرض تحالفا عربيا، ضم دولا من مجلس التعاون الخليجي ولاسيما الامارات والبحرين، ودولًا عربية مثل مصر والاردن والسودان وغيرها، وإسلامية. ولكن هذا التحالف تعرّض لتصدّعات مبكّرة بسبب عدم قناعة بعض الدول بمبررات الحرب، ورآها البعض الآخر وصمة عار بأن يوجّه عرب ومسلمون بنادقهم لأشقائهم في القومية والدين، بدلًا من توجيهها للعدوان الصهيوني في فلسطين المحتلة.

اليوم وبعد ست سنوات من العدوان، بات من العبث، وكل الحرب عبث في الأصل، الاستمرار، فلا مناص من وقفها، لأن الانتصار فيها مستحيل، وأن اليمنيين يكتبون تاريخ استقلالهم بالدم، وعلى العالم أن يحترم قرارهم التاريخي والاستراتيجي.

 

7- ما التوجه المنطقي الذي على السعودية السير فيه للخروج من مستنقع الحرب على اليمن مع الوضع في عين الاعتبار العلاقة والموقف الأمريكي؟

– التوجّه المنطقي المفروض اتباعه هو ما أبلغه اليمنيون منذ البداية للجانب السعودي، في زيارة وفد أنصار الله الى الرياض بعد ثورة الحادي والعشرين من سبتمبر سنة 2014 بأن هذه الثورة لا تستهدف أمن السعودية، وأن اليمن يرغب في بناء علاقات مع جيرانها تقوم على الاحترام المتبادل.

لن يعود اليمن الى الوراء، وهذا حتمي ويجب على كل من يهمه الأمر أن يفهم هذه الحقيقة، لأن اليمن يعاد تشكيله هذه المرة بدماء وتضحيات وصمود أبنائه، وإذا ما أرادت السعودية أو أي دولة أخرى صغيرة أو كبيرة أن تقيم علاقة مع اليمن فيبنغي عليها استحضار الحقيقة المتمثلة في أن اليمن الجديد هو ليس المرتهن، والتابع، والمكشوف أمام القوى الاجنبية. بل هو يمن اليمنيين وحدهم، ووحدهم من يقرر شكل الحكم، والسياسات، والعلاقات، والمصالح دون تدخّل من الخارج.

إذا ما حاولت السعودية تلبية المطالب الاميركية مجددا فسوف تسمع الجواب نفسه في الميدان، والعاقل من يتعظ من تجاربه، وكما يقول اينشتاين “الجنون هو أن تفعل ذات الشيء مرةً بعد أخرى وتتوقع نتيجةً مختلفةً”.

قد يعجبك ايضا