خمس وجهات وسياسي واحد (نبذة عن كتاب للمقالح عن الحوثي وجار الله وشملان)

محمد ناجي أحمد – وما يسطرون – المساء برس|

قراءة في كتاب (5رسائل سياسية-قراءة في قضايا الأزمة عشية الثورة والحرب) (2007-2010) – للمؤلف: محمد محمد المقالح – مؤسسة الثورة للصحافة والطباعة والنشر – يناير2020م.

الكتاب من الحجم الكبير ،ويقع في (277صفحة)ويحتوي على توطئة وإهداء ومقدمة وخمسة فصول، هي بحسب الترتيب:
الفصل الأول: حروب صعدة في رسالة من سجن الاحتياط، إلى الرئيس صالح(يونيو 208).
الفصل الثاني: أزمة الحزب الاشتراكي اليمني والمعارضة في رسالة إلى الأمين العام وأعضاء الأمانة العامة(يوليو 2009).
الفصل الثالث: جماعة الحوثي وأحداث صعدة في رسالة عبر صديق إلى قيادة أنصار الله بعد الحرب الرابعة.
الفصل الرابع: انهيار الدولة أو انفجار الثورة في محاضرة بمنتدى الشهيد جار الله عمر (أغسطس 2010).
الفصل الخامس: محاضرة في منتدى الشهيد جار الله عمر 2010م،تطرق فيها إلى:
– خطورة استمرار الأزمة بين السلطة والمعارضة عشية انفجار الثورة.
-اليمن بين خياري الثورة أو انهيار وتفكك الدولة ،والتدخل الخارجي!

افتتح المؤلف كتابه بتوطئة ممزوجة مع الإهداء إلى: جار الله عمر وحسين بدر الدين الحوثي وفيصل بن شملان، بما لهذه الأسماء بترتيبها من تعبير عن انتماء وقناعات المؤلف، لما تحمله هذه الأسماء من وجهة نظره- من قيم وانحياز اجتماعي ووحدوي وراديكالي إسلامي، وهي قناعات ظل الكتاب يعكسها بتكامل بين الوطني والاجتماعي، ممثلة بجار الله عمر، والوحدوي الذي عبر عن انتمائه المتداخل والمتواشج، حضرميا وعدنيا ويمنيا وعروبيا، ذات حوار نشرته صحيفة (النداء)مع فيصل بن شملان بعيد الانتخابات الرئاسية التي أجريت عام 2006م، والراديكالي الإسلامي الذي يريد التغيير من خلال إحلال مفاهيم وولاء وفهم قرآني، وإزاحة ما هو سائد ومتداول منها، وتوجيه دلالة الفهم للمتلقي باتجاه الثورة ضد الأفهام السابقة، التي أرادات إخضاع النص القرآني لسلطة الأحاديث المختلف على حجيتها وإسنادها نقلا وعقلا.

يرى المؤلف في هذه التوطئة أن” من يعرف جار الله عمر وديناميته وطموحه وهمه الوطني ما كان يمكن أن يبقى متفرجا أو مترددا تجاه حروب صعدة مثلا أو بعيدا عن قيادة حركة أنصار الله ،أو قيادة الحراك في الجنوب، ولن يدع تلك الأحداث والحركات تذهب بعيدا خارج مسار التغيير الوطني، ليخطفها أعداؤها وأعداء اليمن بالاستئصال أو بحرف مسارها، دون أن يلتقي القائد عمر بها، ويسهم في توجيهها والضغط بها على السلطة والمعارضة لفتح نافذة للتغيير.”ص11.
وهنا يقع المؤلف ضمن رغباته وتمنياته، في استقطاب للموتى وتوجيه إرثهم السياسي وفقا لخياراته ومواقفه، وكأني بالمؤلف وقد استنسخ وحل محل جار الله عمر، ولهذا فهو يرى نفسه وهو يقوم بدور الالتحام العضوي بحركة أنصار الله وتوجيهها يواصل ما يتمناه ويتخيله في مسيرة جار الله عمر السياسية!

لكن المؤلف من خلال ما اقتبسناه من حديثه عن (اختطاف)، و(استئصال) و(حرف مسار) يوحي للقارئ بمسألة الاختطاف لمسار حركة أنصار الله والحراك الجنوبي بما يخدم أعداء اليمن.

يوصِّف المؤلف جريمة اغتيال جار الله عمر بأنها أخطر اغتيال سياسي ارتكبها رأس النظام وشخص إرهابي وجناح متطرف داخل التجمع اليمني للإصلاح “وإلى جانبهم أكثر من طرف داخلي وإقليمي وفي السلطة والمعارضة”ص12.وأن الهدف كان اغتيال حلم التغيير في اليمن وضرب الدولة والوحدة وأي محاولة للنهوض، مثلها مثل جريمة اغتيال الشهيد الرئيس إبراهيم الحمدي.

يرى المؤلف أن ما قاله بدر الدين الحوثي (الأب) في حوار معه أجرته صحيفة (الوسط) حول الزيدية الحركية التي دعا إليها (الحوثي) الابن، من أن إعدام نجله الأكبر حسين بدر الدين الحوثي سيزيد الحركة قوة في دينها…”فهؤلاء رجال أقوياء وأبطال” وما هي إلاَّ عشر سنوات من إعدام نجله الأكبر، مؤسس الحركة (حسين بدر الدين الحوثي) “إلاَّ وهي تحكم القرار في صنعاء وتخوض حربا باسم اليمن في مواجهة عديد من الدول الإقليمية والدولية وعلى رأسها السعودية والإمارات وضمنها أمريكا وبريطانيا”ص13.

من وجهة نظر المؤلف فإن حسين الحوثي كان “بلا شك مفكرا” ” وبغض النظر عن اختلاف الناس حول أفكاره وما آلت إليه فيما بعد لدى وعي وفهم وسلوك بعض من أتوا بعده، إلاَّ أن من يقرأ تأملاته والأفكار التي طرحها وكان يستنتج كثيرا منها من قراءته الخاصة والمباشرة لآيات القرآن الكريم سيلاحظ صفة المفكر في عقلية الرجل وفيما يولده من أفكار دينامية تبدو لأتباعه من الشباب جديدة وذات تأثير فاعل في خلق روح التحدي لديهم، وإشعار كل فرد منهم بالمسؤولية، وبأن كل واحد منهم معني شخصيا بعملية التغيير دون الانتظار للفقهاء والساسة التقليديون للقيام بمهمة النهوض بالشعب والأمة واستقلال قرارها بعيدا عن الارتهان “لأمريكا وإسرائيل” وأدواتهما في المنطقة”ص14.

هل كانت أفكار حسين بدر الدين الحوثي جديدة على الإسلام الحركي في المنطقة العربية والإسلامية؟

لا يجيب المؤلف عن هكذا سؤال لكنه يلمح بقوله إن أفكار حسين بدر الدين الحوثي دينامية وتبدو لأتباعه من الشباب بأنها جديدة، ما يعني أنها ليست جديدة في المشهد الإسلامي الحركي لدى بدايات الإخوان المسلمين أو لدى ثورة الإمام الخميني واجتهاداته وشعاراته.

يبين المؤلف موقف حسين بدر الدين الحوثي من الاحزاب، من خلال تجربة (الحوثي) المريرة في حزب الحق، التي عانى من نتائجها العميقة شخصيا وأهل صعدة، مما جعله يستنتج أن الحزبية غير قادرة على استيعاب المجتمع بكامله وأن المجتمعات العربية تحتاج إلى الوعي السياسي بدورها النضالي قبل أن تحتاج إلى الحزبية، وأن تكوين الناس في أحزاب وفئات دينية وغير دينية يحولهم إلى جماعات مغلقة داخل المجتمع المسلم، معزولة عنه ومتعالية عليه”ص16.

ولهذا كانت حركته بحسب وصف المؤلف “تيارا سياسيا ثوريا عاما، لا حزبا سياسيا أو جماعة دينية، ومن هنا تأتي تسمية “المسيرة القرآنية” كإطار فضفاض أراد المؤسس أن يجمع كل من يسير على نهجه، بغض النظر عن أحزابهم أو تكويناتهم” أي بحسب تعبير المؤلف: أراد “تسييس الشعب، لا تحزيبه”ص16.

هل استمر هذا الهدف؛ أي “تسييس الشعب لا تحزيبه” حاضرا في وعي وسلوك ونهج (حركة أنصار الله) أم أنها تحولت إلى حركة شيعية، أي وقعت فيما حذر منه مؤسس الحركة، وتحولت إلى جماعة مغلقة؟
“فقد وجدت الحركة نفسها في قمة السلطة وعلى رأسها، وتذود دونها، ولكن بلا خط سياسي ولا برنامج وطني جاهز ومكتوب يحدد بمفرداته أصدقاءها من أعدائها، ويحدد بين دفتيه قضاياها العامة والوطنية أمام مجتمعها، في العدالة والمواطنة، وشيئا فشيئا أصبحت السلطة السياسية بيد خليط من الأصدقاء والأعداء، لا يجمعهم برنامج ولا وجهة لهم سوى الحفاظ على السلطة الفئوية، ولكن بلا مسؤولية تجاه من يحكمونهم من الناس كمواطنين لا كرعايا”ص18.

فحوى الكتاب ومنطوق خطابه، أن الوضع الذي وصلت إليه حركة أنصار الله كسلطة تماهت مع (الهاشمية السياسية) وأصبحت تعرف نفسها بالدورات التثقيفية بأنها حركة شيعية، يبرر ذلك المؤلف بأسباب وعوامل عديدة منها:
الحروب التي شنت عليهم، والعدوان الداخلي والخارجي حسب وصفه، واضطرارهم إلى الالتزام بـ”الوثيقة الزيدية” لتفادي الصراعات مع زيدية أخرى، دون أن يدركوا أنهم يستبدلون “الوثيقة الزيدية” بمشروع “المسيرة القرآنية” نفسه، والتي قايضت فيها “الهاشمية السياسية” قيادة السيد عبد الملك الحوثي مقابل مضمون “المسيرة القرآنية” كحركة ثورية شعبية وفكر إحيائي تجديدي “أي أن الوثيقة التي ساهم فيها كل من كان يختلف معهم ويعتبرهم كفارا وعلى ضلالة، من الفقهاء التقليديين قد أعادتهم بدون وعي إلى المذهبية الزيدية، وإلى ما كان ينكره على الفقهاء مؤسس المسيرة القرآنية. ومشاركتهم في مؤتمر الحوار الوطني، واضطرارهم إلى إعادة تعريف أنفسهم كمكون اجتماعي، وجماعة دينية، لا كحركة ثورية وشعبية”ص18-19.

يتبع…

قد يعجبك ايضا