قصة الكابتن هينز والنقش المسندي

 

من يستفيد من التاريخ ؟
الغزاة لا يستفيدون من التجارب ، تدفعهم أطماعهم وسوء نياتهم إلى الفشل والسقوط فالأحباش لم يستوعبوا درس الحملة الرومانية وفي حملاتهم الأخيرة قبل الإسلام لم يتعظوا من مصير حملاتهم الأولى والفرس لم يستفيدوا من تجارب الأحباش والرومان والأيوبيون لم يضعوا أي حساب لكافة القوى السابقة والبرتغال لم يفكروا بما حل بسابقيهم من الغزاة والمماليك لم ينظروا إلى مصير غيرهم والأتراك تعددت الدروس أمامهم وتشكلت ومع ذلك لم ينتهوا سواءً في فترتهم الأولى أو حتى الأخيرة وهناك من هو اليوم يكرر التجارب ويغرق فيها ظاناً أن من قاوم الرومان ودحرهم وجابه الأحباش وطردهم وثار ضد الفرس وأسقطهم وتصدى للأيوبيين وغلبهم وجاهد البرتغال وأغرقهم وثار على الأتراك وقهرهم وعارك الإنجليز وانتصر عليهم سيقبل اليوم بمن هو أدنى منهم أو يساويهم وأن من رفض الغزاة وأبى الاحتلال و الخضوع والهيمنة والتبعية على طوال مراحل التاريخ سيقبل اليوم بأي شكل من أشكال الاحتلال وتحت أي شعار وفي ظل أي مشروع .

يقال إن قائد القوات البريطانية الكابتن هنز وصل إليه نقش قديم بخط المسند فقام بترجمته فكانت الترجمة : هجمنا بسوط الغضب على الأحباش والبرابرة وتقدمنا ببأس وشدة على حثالة الجنس البشري. ويحكي هذا النقش مقاومة اليمنيين للغزاة الأحباش مطلع القرن السادس الميلادي ويا لها من مصادفة أن يقع هذا النقش في أيدي قائد قوات الغزاة في القرن التاسع عشر لكن على ما يبدو أن الكثير من الغزاة لم يقرؤوا يوماً أن هذه البلاد تصدرت قائمة البلدان العربية في التحرر من الأتراك سواءً في خروجهم الأول أو حتى الثاني وأنها ذات البلاد التي كسرت شوكة أعتى الإمبراطوريات من الإمبراطورية البيزنطية أكبر القوى العظمى العالمية في زمن ما قبل الميلاد إلى الإمبراطورية العثمانية أقوى قوة في العالم في القرون الوسطى وأن أبناء هذه البلاد مرغوا أنوف الجيوش المنظمة والمسلحة بأحدث أنواع السلاح والمدربة وفق أعلى معايير التدريب في كل زمن وفي كل مرحلة من الفيالق إلى الألوية والطوابير ومن عهد المنجنيق إلى عهد الطائرة .
ما أشبه الليلة بالبارحة سواء من ناحية الغازي بتفكيره وأسلوبه وممارساته وأهدافه المعلنة وأفعاله المشاهدة أو من ناحية النتائج والمصائر والمآلات وما بين السبب والنتيجة تتكشف الحقيقة وتتضح الصورة .
استعانت الإمبراطورية البيزنطية بالمرتزقة في حملتها العسكرية نحو اليمن واستدعى الأحباش أتباعهم من اليمنيين لتسهيل دخولهم واستخدم الأتراك سياسات مختلفة لتسويق أنفسهم لليمنيين حتى يتمكنوا من توسيع دائرة الأتباع والعملاء وأضطر السعوديون في دولتهم الأولى لطلب عون المرتزقة اليمنيين للتوسع نحو اليمن واتخذت بريطانيا لنفسها الحكام والسلاطين والمشائخ واستجلبت مرتزقتها من مستعمراتها المختلفة إلى عدن، ففي كل مرحلة استعمارية وكل محاولة غزو يتوالد العملاء ويتكاثر المرتزقة في حالة تاريخية تستنسخ نفسها من مرحلة إلى أخرى ويرى الغازي إلى هذه الحالة كأداة قوية لتحقيق أهدافه غير أنها لم تفلح رغم ما تقدمه في بداية الأمر إلا أنها ومع تقدم زمن الاستهلاك تصبح صلاحية الاستخدام معدومة فتفقد أثرها وينتهي مفعولها عندما تتحول إلى عبء ثقيل على الغازي ووسيلة من وسائل إنهاكه وإحراقه.

قد يعجبك ايضا