عام على اتفاق استوكهولم.. ما الذي تغير؟ وماذا فعل كل طرف؟

    الحديدة – المساء برس| تقرير: يحيى محمد|

مر عام كامل على توقيع اتفاق استوكهولم بين طرفي صنعاء وحلفاء الرياض، وهو الاتفاق الذي رعته الأمم المتحدة وقضى بوقف القتال في الحديدة بشكل نهائي وانسحاب قوات طرفي الحرب ووقف الغارات الجوية ورفع الحصار على مدينة الدريهمي وفتح المجال أمام موانئ الحديدة لدخول المواد الغذائية والسلع التجارية، وهو ما لم يتحقق منه شيء حتى الآن باستثناء ما أعلنته سلطات صنعاء من انسحاب أحادي الجانب من الموانئ وفتح حساب بنكي لدى مركزي الحديدة لتوريد عائدات الموانئ إليه لتسديد المرتبات، بمقابل عدم تنفيذ التحالف السعودي الإمارات وحلفائه على الأرض أي بند من بنود هذا الاتفاق.

مراقبون تابعوا مجريات ما حدث خلال العام المنصرم منذ توقيع اتفاق استوكهولم، يرون بأن التحالف السعودي حاول استغلال اتفاق السويد “استوكهولم” كفرصة لاستكمال السيطرة على مدينة الحديدة ومينائها، ومن ذلك على سبيل المثال سعي التحالف لتحريف تفسير بنود اتفاق الحديدة استوكهولم وهي البنود التنفيذية التفصيلية التي تضمنت آليات إعادة انتشار قوات الطرفين ودور المراقبين الأمميين والسلطة المحلية التي ستتولى إدارة المحافظة بعد انسحاب القوات العسكرية، وإيرادات موانئ الحديدة.

عسكرياً

على المستوى العسكري ظلت سلطات صنعاء ترفع بتقارير يومية للمبعوث الأممي إلى اليمن مارتن غريفيث بالخروقات التي ارتكبتها القوات والجماعات المسلحة الموالية للتحالف على أرض الميدان والتي تمثلت باستحداثات تحصينات عسكرية وتنفيذ غارات برية وهجمات باستخدام الأسلحة المتوسطة والخفيفة كانت أبرزها استهداف محيط أطراف مدينة الحديدة بالرشاشات الثقيلة وقذائف المدفعية والآر بي جي، ولعل أبرز ما تغير على الجانب العسكري بعد اتفاق استوكهولم هو توقف الهجمات العسكرية البرية المكثفة بالإضافة إلى توقف الغارات الجوية في حين استمر التحالف بتسيير الطائرات بدون طيار التجسسية والمقاتلة بشكل يومي، ورغم ذلك لم تسلم الحديدة من تسجيل اختراقات في جانب الغارات الجوية التابعة للتحالف إذ استهدفت طائرات السعودية ميناء رأس عيسى بعدة غارات جوية في سبتمبر الماضي بالإضافة إلى استهداف ناقلة للمشتقات النفطية كانت على مقربة من مكان تواجد اللجنة الأممية المراقبة لتنفيذ الاتفاق في اكتوبر الماضي.

في المقابل ظلت قوات صنعاء مكتفية بصد أي هجمات لمسلحي التحالف بالتزامن مع توثيق الخروقات التي ارتكبها التحالف بكاميرا الإعلام الحربي التابع لها وبث لقطات الخروقات على وسائل الإعلام المحلية وتوزيعها على الوسائل الإعلامية العالمية بالإضافة إلى تقديم نسخ باستمرار للجنة المراقبة الأممية.

سياسياً

سياسياً ظلت جلسات واجتماعات لجنتي صنعاء والتحالف المصغرتين المعنيتين بترتيب والإشراف على تنفيذ بنود اتفاق استوكهولم في اجتماعات متقطعة وتسير بشكل بطيء وكانت تلك الاجتماعات برعاية أممية مباشرة حيث كانت يتم الاجتماع على متن إحدى السفن التابعة للأمم المتحدة الراسية في المياه الإقليمية اليمنية قبالة الحديدة.

اجتماعات لجنتي المراقبة لطرفي النزاع أفضت بعد طول انتظار إلى الخروج بتشكيل نقاط المراقبة الخاصة بوقف إطلاق النار وانسحاب قوات طرفي الصراع من المدينة ومحيطها.

التنفيذ

وفيما يتعلق بتنفيذ بنود الاتفاق لم يُنفذ منها سوى انسحاب قوات صنعاء من موانئ الحديدة، وعلى الرغم من أن هذا الانسحاب – وفق ما ينص الاتفاق – كان يتطلب أن يحدث بالتزامن مع انسحاب مقابل ينفذه التحالف بسحب قواته من محيط مدينة الحديدة، إلا أن صنعاء قررت وبعد أن وصلت جهود المبعوث الأممي مع التحالف إلى طريق مسدود لإقناعه بسحب قواته والالتزام بما وقع عليه من اتفاق في السويد، قررت صنعاء تنفيذ الجزء الأول من عملية الانسحاب من جانب واحد كبادرة منها لإبداء حسن النية، رغم ذلك حاول المبعوث الأممي تأجيل تنفيذ صنعاء ما قررته من انسحاب حتى يجري محاولة أخرى لدى التحالف عله يستطيع إقناع أصحاب القرار في الرياض الالتزام بالانسحاب كي يستطيع غريفيث الخروج بهذا الاتفاق بتنفيذ جرى تطبيقه على أرض الواقع من قبل طرفي الصراع وليس من قبل طرف واحد وبمبادرة أحادية، لكن محاولة غريفيث باءت بالفشل وهو ما دفع صنعاء إلى سحب قواتها حيث تم تسليم إدارة موانئ الحديدة لقوات خفر السواحل التابعة لوزارة الداخلية في حين جرى تسليم إدارة الموانئ لمؤسسة موانئ البحر الأحمر الحكومية الرسمية.

وفي الجانب الآخر من الاتفاق والذي قضى بتحويل إيرادات موانئ الحديدة بعد السماح بفتحها ودخول المشتقات النفطية والسلع الغذائية والمواد التجارية إليها، في هذا الجانب كان الملتزم بالتنفيذ هو طرف صنعاء على الرغم من أن الموانئ لا زالت محاصرة ولا يسمح التحالف السعودي إلا بدخول سفن المشتقات النفطية فقط بعد أن يتم احتجازها لمدد تتراوح بين 30 – 60 يوماً وهو ما يؤدي إلى تكليف مستوردي المشتقات النفطية مبالغ باهضة جراء رفع نسبة مبالغ التأمين واستئجار الناقلات البحرية، رغم ذلك قامت سلطات صنعاء بإنشاء حساب بنكي وفق ما تم الاتفاق عليه في استوكهولم حيث جرى الاتفاق على أن يتم توريد إيرادات الموانئ إلى فرع البنك المركزي في الحديدة بعد فتح حساب بنكي جديد يتم من خلاله تسديد رواتب موظفي الدولة بعد أن تنفذ الشرعية الخطوة ذاتها في باقي الموانئ والمنافذ الجمركية الواقعة تحت سيطرة التحالف جنوب وشرق وشمال شرق اليمن.
وما تم تنفيذه هو فتح الحساب البنكي وتوريد صنعاء لإيرادات موانئ الحديدة إلى مركزي الحديدة في حين لم تلتزم سلطات الشرعية بتنفيذ الخطوة ذاتها بالنسبة للموانئ والمنافذ الجمركية الواقعة تحت سيطرتها وسيطرة التحالف.

ولعل ما يجدر الإشارة إليه هنا هو أن اتفاق استوكهولم لم يكن متعلقاً فقط بالحديدة، إذ لكون الاتفاق والمفاوضات كانت في الأساس تركز على الجانب الإنساني، فإن ملف تبادل الأسرى كان حاضراً وبقوة في المفاوضات وأخذ هذا الملف وقتاً طويلاً وجزءاً لا بأس به من إجمالي مفاوضات السويد، وهنا قد يستحضر البعض الفضحية المدوية التي صاحبت أداء الفريق الموالي للتحالف في المفاوضات والذي كان يبحث عن أسماء أسراه المتواجدين لدى سلطات صنعاء على مواقع التواصل الاجتماعي فيس بوك وتويتر والواتس اب، في حين حضرت صنعاء مكتملة بملفاتها التي تضمنت أسماء أسراها وتواريخ أسرهم وأماكن تواجدهم حالياً.

وفيما يتعلق بتنفيذ بنود تبادل الأسرى الواردة ضمن اتفاق استوكهولم كان السبق في الإفراج عن عدد من الأسرى بدون مقابل وبدون أن ينفذ الطرف الآخر خطوة مماثلة، كان السبق في ذلك لسلطات صنعاء التي قررت الإفراج عن 350 أسيراً من التابعين للتحالف ممن وردت أسماؤهم في كشوفات تبادل الأسرى التي سلمها طرف وفد حلفاء الرياض للأمم المتحدة وممثلي وفد صنعاء في المفاوضات المعنيين بملف الأسرى، ومثل ذلك بالنسبة للتحالف موقفاً محرجاً جداً إلى جانب الموقف المحرج الذي وقع فيه التحالف حين أعلنت صنعاء الانسحاب من جانب واحد لإبداء حسن النية ولإثبات أنها صاحبة قرار وتسعى للسلام، في حين لم يقدم التحالف على تنفيذ خطوة مماثلة بشأن الأسرى إلا بعد فترة طويلة من تنفيذ صنعاء لخطوتها وفوق ذلك زعم التحالف أنه أفرج عن 200 أسير رغم ذلك لم يكن من بينهم سوى قرابة الـ140 فقط هم أسرى وردت أسماؤهم بكشوفات الأسرى التي رفعها وفد صنعاء في حين كان البقية مواطنين يمنيين عاديين اعتقلتهم السلطات السعودية من داخل أراضيها.

إنسانياً

ظلت مدينة الدريهمي تحت الحصار، ولا تزال حتى اليوم تحت حصار قوات التحالف السعودي على الرغم من المناشدات التي رفعتها منظمات أممية ودولية تطالب برفع الحصار عن مدينة الدريهمي والسماح لمنظمات الإغاثة للوصول إلى المدنيين هناك.
والأكثر من ذلك أن قوات التحالف تقصف بين الحين والآخر مدينة الدريهمي بقذائف المدفعية والصاروخية وتتسبب بسقوط ضحايا من المدنيين بينهم نساء وأطفال.

ووفقاً لإحصائية 15 منظمة دولية وأممية صادرة مؤخراً بشأن ما تغير في الحديدة بعد مرور عام كامل على اتفاق السويد، قال البيان الصادر عن هذه المنظمات إن سقوط الضحايا من المدنيين لم يتغير كثيراً في محافظة الحديدة، معلنة أن ما يقارب الـ800 شخص قتلوا وجرحوا في المحافظة الساحلية خلال هذا العام مقارنة بعدد أكبر من ذلك بقليل العام الماضي، ما يعني أن الأزمة الإنسانية في الحديدة لا تزال قائمة رغم أن اتفاق السويد كان أساسه إنساني بحت ولم يكن هدفه عسكري أو سياسي.

وضمن اتفاق السويد كان ملف مطار صنعاء من أكثر الملفات الإنسانية الهامة التي نوقشت أثناء تلك المفاوضات، وها هو العام الأول ينقضي على توقيع هذا الاتفاق ولا يزال المطار مغلقاً وسط تصاعد ملفت لأرقام الضحايا المدنيين الذين يموتون داخل اليمن من دون أن يتمكنوا من مغادرة البلاد لتلقي العلاج في الخارج بسبب استمرار إغلاق المطار.

قد يعجبك ايضا