تحليل للعربي الجديد: الخلافات بين أبوظبي والرياض باتت في مرحلة متقدمة

تحليل: العربي الجديد – متابعات – المساء برس| يمثّل التدخّل العسكري الإماراتي في اليمن، أحد أبرز العناوين والملفات التي تصدّرت تحوّلات البلاد منذ سنوات، في ظل الدور البارز الذي لعبته أبوظبي على المسارين العسكري والسياسي، إلى حدٍ جعلها تبدو كما لو أنها صاحبة القرار الفعلي ضمن التحالف مع السعودية، وما ارتبط بذلك من إخفاقات ومراحل صنع أكبر كارثة إنسانية.
ويعود الحديث عن هذا الدور مع بدء الإمارات سحباً جزئياً لقواتها من اليمن. فمن عدن إلى الساحل الغربي مروراً بمأرب وتعز، وليس انتهاء بالأزمة مع الحكومة الشرعية وإبراز الأجندة الخاصة بالسيطرة على الجزر والموانئ اليمنية والدعم اللامحدود لتقسيم اليمن على أسس مناطقية وتأسيس المليشيات الخارجة عن سيطرة الشرعية اليمنية وإنشاء السجون السرية، كلها عناوين فرعية ارتبطت بمسيرة التدخّل الإماراتي خلال أكثر من أربع سنوات.

“عاصفة الحزم”

منذ انطلاق عمليات التحالف تحت مسمى “عاصفة الحزم”، في 26 مارس/آذار 2015، كانت الإمارات، العضو الأبرز، شاركت بـ30 مقاتلة حربية، في ظل غموض التفاصيل المرتبطة التي سبقت الإعلان عن تدشين التدخّل العسكري، في وقتٍ كانت فيه أغلب الدول الأعضاء، لا تعلم حدود التدخّل وفترته الزمنية، حتى على مستوى الرياض نفسها، فقد كانت التصريحات تلمّح إلى أن الحرب قد تأخذ أسابيع إلى شهور، في أغلب الأحوال.

الصدارة الإماراتية من عدن

بعد ما يزيد عن شهر من الضربات الجوية المكثّفة للتحالف، ضد الأهداف المفترضة لجماعة “أنصار الله” (الحوثيين) وحلفائها سابقاً من الموالين لعلي عبد الله صالح (قتله الحوثيون في 4 ديسمبر/كانون الأول 2017)، بدأ الحديث عن أهمية حصول تدخّل بري يسعى إلى تغيير المعادلة، وكان التحفّظ عن “التورط”، براً، سيد الموقف بالنسبة لأغلب الدول. إلا أن الإمارات بقيادة ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد، مدفوعة بقائمة أجندة وأطماع خاصة، اختارت أن تتصدّر التدخّل الميداني، ودفعت خلال شهري مايو/أيار ويونيو/حزيران 2015 بأول قوة برية من التحالف، رست في المناطق الخاضعة لسيطرة القوات الحكومية أو ما عُرف بـ”المقاومة الجنوبية”، في سواحل عدن، وبدأت بتدريب وتجهيز قوات يمنية للمشاركة فيما سُمّيت عملية “تحرير عدن”.

في يوليو/تموز من العام نفسه، انطلقت عملية “تحرير عدن”، بمشاركة مجموعة القوات الحكومية وبدعم وتخطيط وإسناد من الإماراتيين، الذين تصدّروا القيادة الميدانية لعمليات التحالف في محافظات لحج وأبين وشبوة، وصولاً إلى مأرب وسط البلاد. ووفقاً لمصادر يمنية قريبة من الشرعية، فقد كان الإماراتيون في صدارة التنسيق والدعم الميداني للقوات اليمنية مع وجود رمزي للسعودية في مختلف المحطات، بالإضافة إلى مشاركة معتبرة للقوات السودانية جنوباً وفي الساحل الغربي على نحوٍ خاص.

مذبحة مأرب

في الرابع من سبتمبر/أيلول 2015، تعرضت القوات الإماراتية لأكبر مجزرة في صفوفها ومعها باقي دول التحالف، بعد أن استهدف الحوثيون وحلفاؤهم بصاروخ باليستي نوع “توشكا”، انطلق من إحدى مناطق محافظة شبوة، تجمّعاً لقوات التحالف في معسكر تابع للجيش اليمني في منطقة صافر، وكانت النتيجة شاهداً على حجم المشاركة الإماراتية، إذ قُتل أكثر من 50 عسكرياً إماراتياً وأصيب عدد آخر بجروح، بينهم ضباط، إلى جانب مقتل 32 جندياً من اليمنيين و10 سعوديين وخمسة من البحرينيين.
في تلك الأثناء، كان الحوثيون قد خسروا معظم مناطق المحافظات الجنوبية حيث عدن ومحيطها، وباتت أبوظبي صاحبة القرار العسكري الأول، وبدأت بتصدّر واجهة التحالف في المعركة مع الحوثيين في أطراف مأرب (حيث منطقة صرواح التي ما تزال محطة مواجهات إلى اليوم)، وعلى مسار آخر، هو الساحل الغربي، حيث باب المندب (وصولاً إلى الحديدة في السنوات الأخيرة). وشاركت الإمارات بفعالية بموجة ضربات عنيفة للتحالف أعقبت مجزرة مأرب، وسقط خلالها العديد من المدنيين.

ما بعد عدن

اعتباراً من الشهور الأولى التي تلت هزيمة الحوثيين وحلفائهم في المحافظات الجنوبية، تصدّرت الإمارات الكلمة الأولى بالتنسيق مع الفصائل المختلفة وملفات إعادة الإعمار وغيرها، لتبدأ أجندتها الخاصة بالظهور تدريجياً، سواء لجهة انتقاء حلفائها المحليين من الفصائل والتيارات المطالبة بالانفصال، أو من خلال إقصاء ومحاربة حزب “التجمّع اليمني للإصلاح” (الإخوان المسلمين) والشخصيات المحسوبة عليه، كجزء من المعركة التي تتصدّرها ضد “الإخوان” والتيارات المحسوبة قريبة من الجماعة. بالإضافة إلى مظاهر أخرى أعاقت عودة “الشرعية”، بما فيها الرئيس عبد ربه منصور هادي، إذ كان من المفترض عودتهم عقب انتزاع عدن من الحوثيين، في وقتٍ أشار فيه تقرير أميركي، نُشر العام الماضي، إلى أن الإمارات استأجرت مرتزقة دوليين لتنفيذ عمليات اغتيال في اليمن، بدءاً من ديسمبر/كانون الأول 2015.

الأحزمة الأمنية والنخب

كانت أولى الثغرات التي انكشفت بعد انسحاب الحوثيين من عدن، بروز مجموعات متشددة محسوبة على تنظيمي “القاعدة” و”داعش”، وكان البعض من عناصرها منخرطين في القوات المدعومة من الإمارات لمحاربة الحوثيين، ليبدو وكأن المدن الجنوبية بما فيها أحياء في مدينة عدن، تتساقط في أيدي “القاعدة”، على نحوٍ طرح العديد من علامات الاستفهام، وصولاً إلى المرحلة الثانية من الدور الإماراتي وتحوّله من تصدّر المعركة مع الحوثيين إلى محاولة الظهور بمظهر دعم وإسناد القوات التي تحارب “الإرهاب”.

في السياق، بدأت تشكيلات أمنية وعسكرية أسستها الإمارات وأشرفت على تجهيزها بالظهور، من خلال “قوات الحزام الأمني” التي كانت وما تزال الذراع المليشياوية للإمارات في عدن ومحيطها، وتخضع مباشرة إلى القادة الإماراتيين في عدن بعيداً عن الحكومة اليمنية، التي تعتبر هذه القوات خارجة عن سيطرتها، في وقتٍ مارس فيه “الحزام الأمني” إجراءات تقوّض سلطة “الشرعية” ووجودها جنوباً، وتستهدف المواطنين المنحدرين من المحافظات الشمالية في عدن، مروراً بالاعتقالات السياسية، وغيرها من الممارسات التي تخضع لسياسات أبوظبي.
وفي الإطار نفسه، بدأ الدور الإماراتي بالتمدد شرقاً من خلال دعم إنشاء قوات بطابع مناطقي تحت مسمى “النخبة الحضرمية”، وهي القوة التي ظهرت لأول مرة بتدشين عملية طرد تنظيم “القاعدة” من مدينة المكلا في إبريل/نيسان 2016، بعد عام كامل من سيطرة التنظيم على المدينة.

ولكن بعد نحو عامين ظهرت تفاصيل ما جرى، إذ كشفت وكالة “أسوشييتد برس”، في 6 أغسطس/آب 2018، عن إبرام التحالف السعودي الإماراتي اتفاقات سرية مع مقاتلي تنظيم “القاعدة”، ودفع أموال لهم للخروج من مناطق رئيسية، كما أنه أبرم اتفاقات معهم للانضمام إلى التحالف. وأشار التحقيق إلى أن الاتفاق الأول بين التحالف و”القاعدة” سمح في ربيع عام 2016، بانسحاب آلاف المقاتلين من التنظيم من مدينة المكلا في حضرموت. وقد تمّ منح هؤلاء “طريقاً آمنة” للانسحاب، وسمح لهم بالاحتفاظ بأسلحتهم، وحوالى 100 مليون دولار نهبوها من المدينة، بحسب خمسة مصادر تحدثت للوكالة.

وبحسب التحقيق نفسه، تمّ إبرام اتفاقات مشابهة في وقت لاحق لانسحاب “القاعدة” من خمس بلدات في محافظة أبين، بما فيها العاصمة زنجبار، وذلك بحسب خمسة مفاوضين قبليين. ومثل الاتفاق السابق، كان اتفاق أبين ينصّ على امتناع التحالف السعودي الإماراتي والطائرات الأميركية من دون طيار من قصف مقاتلي “القاعدة” خلال انسحابهم مع سلاحهم. كما نصّ الاتفاق على مسألة انضمام مقاتلي “القاعدة” إلى “الحزام الأمني” المدعوم من الإمارات.

وتواصلاً لهذا الدور، ظهرت “النخبة الشبوانية”، كذراع للإمارات في شبوة في العام 2017، على نحوٍ عزز ما يمكن اعتباره أجندة إماراتية، تسعى لتفتيت اليمن، على أسس قبلية ومناطقية، وتعمل على تقويض وجود وسلطة الحكومة الشرعية، فيما سُمي بـ”المناطق المحررة” من الحوثيين، والتي رفضت أبوظبي تمكين الشرعية من إدارتها، وسعت لجعلها تحت نفوذها المباشر عبر التواجد العسكري والمجموعات المحلية المدعومة منها.

الأزمة مع الشرعية وانقلاب عدن

بعد شهور طويلة من صبر الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي ومختلف أعضاء حكومته، على الممارسات الإماراتية التي أعاقت العودة المفترضة لـ”الشرعية” إلى داخل البلاد، بعد انتزاع عدن من الحوثيين، وبعد أن بدأ التدخّل الإماراتي بالتحوّل إلى حجر عثرة حقيقي، أمام الحكومة اليمنية، بدأ الأخير بالرد، ففي إبريل/نيسان 2016، أطاح هادي، بخالد بحاح من منصبيه كنائبٍ للرئيس ورئيساً للوزراء، بعدما كان الأخير معروفاً بقربه من الإماراتيين.
وبعد عام كامل، اتخذ هادي في 27 إبريل 2017، قرارات وُصفت بالجريئة، أطاح من خلالها بمحافظ عدن في ذلك الوقت، عيدروس الزبيدي، أحد أبرز حلفاء أبوظبي، كما أطاح بوزير الدولة، القيادي السلفي، هاني بن بريك من منصبه وأحاله للتحقيق. ويُعدّ الأخير من أبرز الشخصيات التي تجاهر بالولاء للإماراتيين ومن النافذين فيما يُعرف بـ”قوات الحزام الأمني”. وكان واضحاً أن قرارات الرئيس اليمني موجّهة مباشرة لأبوظبي ونفوذها الذي تنامى على حساب الشرعية اليمنية.

في المقابل، جاء الرد الإماراتي ليكشف حجم التهوّر الذي اتّبعته أبوظبي في ممارساتها، من خلال دعم انقلاب انفصالي في عدن قاده الزبيدي (محافظ عدن الذي أقاله هادي)، عبر الدعوة لتظاهرة وصدور ما سُمي “إعلان عدن التاريخي” وتأسيس “المجلس الانتقالي الجنوبي” الانفصالي والانقلابي، الذي بدا في أدبياته وخطاباته الأولى، كما لو أنه وجه آخر لانقلاب الحوثيين وسلطتهم عبر “المجلس السياسي الأعلى” في صنعاء. وكل ذلك حدث في وقتٍ كان فيه التحالف السعودي الإماراتي يرفع شعار دعم “الشرعية” ضد “انقلاب الحوثيين”.

تمرد يناير

بعد تأسيس ما سمي “المجلس الانتقالي الجنوبي”، سعت الرياض لاحتواء التصعيد، الذي كان سيؤدي إلى نسف المبررات التي يتكئ عليها تدخّل التحالف، لكن أبوظبي استمرت عبر أذرعها بالتصعيد ضد “الشرعية” والتركيز على حكومة أحمد عبيد بن دغر، ليصل التوتر لمرحلة غير مسبوقة في يناير/كانون الثاني 2018، عندما هاجمت القوات الموالية للإمارات معسكرات قوات الشرعية ومقراتها في عدن، واقتربت من السيطرة على القصر الرئاسي الذي تقيم فيه الحكومة، قبل أن ترسل السعودية لجنة “رفيعة المستوى”، فرضت حالة من التهدئة، لكنها لم تعمل على نزع فتيل الاحتقان والمتمثل بسعي أبوظبي وحلفائها للقضاء على ما تبقى من نفوذ للقوات الموالية لهادي في المدينة.

العين على سقطرى

سعي الإمارات لنشر الفوضى سرعان ما تمدد إلى مناطق جديدة، في مقدمتها جزيرة سقطرى، التي تُعدّ من أبرز المناطق الاستراتيجية اليمنية، وتوصف بأنها “جوهرة اليمن”، كأكبر الجزر يمنياً وعربياً. وعلى الرغم من أنها أبعد ما تكون عن الحرب والمبررات التي عبرت على متنها الإمارات لتتدخّل في اليمن، إلا أن الأخيرة وجدت طريقها إليها عبر عربات “الإغاثة” التي زعمت من خلالها تقديم الدعم للمتضررين من إعصارين ضربا الجزيرة أواخر العام 2015، ولاحقاً دعم المشاريع التنموية. بدأت التسريبات بشأن الأطماع الإماراتية في سقطرى منذ الشهور الأولى للحضور الإماراتي، إذ تحدّثت أنباء عن سعي أبوظبي لانتزاع موافقة حكومية على اتفاقية تمكّنها من بسط نفوذها على الجزيرة لـ100 عام.

أواخر إبريل ومطلع مايو 2018، كانا محطة حاسمة للفصل بين التسريبات والحقائق، إذ دشّن رئيس الوزراء اليمني السابق أحمد بن دغر زيارة برفقة عدد من الوزراء إلى الجزيرة، وخلال تواجده، أرسلت الإمارات قوات عسكرية لاحتلال الميناء والمدينة، وطالبت القوات اليمنية المتواجدة فيهما بالمغادرة، الأمر الذي واجه رفضاً حكومياً علنياً، برز لأول مرة ببيان حكومي رسمي يرفض الإجراء الإماراتي، إلى جانب رسالة رسمية سلّمها اليمن إلى مجلس الأمن الدولي، يحتج على التحرك العسكري الإماراتي غير المبرر في الجزيرة الآمنة، المدرجة على قائمة التراث العالمي. مرة جديدة تدخّلت السعودية على خط التهدئة بإرسالها لجنة وساطة إلى الجزيرة لنزع فتيل الأزمة، أعقبتها محاولة إماراتية لـ”تطييب الأجواء” مع الشرعية، بدعوة مسؤولين يمنيين بمن فيهم الرئيس هادي إلى زيارة أبوظبي في أشهر لاحقة.

أطماع في الجزر والموانئ

منذ بدء تدخّلها، حرصت الإمارات على أن تكون صاحبة الصدارة في السيطرة على الجزر اليمنية المنتشرة بالعشرات في البحرين العربي والأحمر مروراً بمضيق باب المندب الاستراتيجي، مثلما أن ميناء عدن يُعدّ من أبرز ملفات الأزمة، إذ يرى يمنيون أن أبوظبي تعمل على وأد أي محاولة لإنعاش دور الموانئ اليمنية، للحد من تأثير ذلك على مكانة دبي الاقتصادية. مع العلم أن الطموح الإماراتي لم ينحصر باليمن، بل امتد إلى محاولات إماراتية على الجانب الآخر من البحر، حيث الصومال وإريتريا وجيبوتي.

تقويض الحكومة

بعد ما يقرب من أربع سنوات على إعلان عدن “مدينة محررة” من الحوثيين، تكاد تكون البصمة الأهم لنفوذ أبوظبي وتحولها إلى صاحبة القرار الأول في هذه المناطق، من خلال إحباط عودة السلطة الشرعية اليمنية ومسؤوليها لممارسة مهامهم من داخل البلاد، إلى جانب الدعم اللامحدود للتشكيلات الانفصالية بشقيها السياسي والعسكري المليشياوي (المجلس الانتقالي الجنوبي، تشكيلات الحزام الأمني والنخب الحضرمية والشبوانية)، وكلها ما تزال تمثّل تحدياً محورياً للحكومة اليمنية وللاستقرار في مناطق جنوب البلاد، مثلما أنها تفرض الأمر الواقع الأقرب إلى الانفصال.

السجون السرية

من بين ملفات “سوداء” عديدة ترتبط بالوجود الإماراتي في اليمن، تُعدّ السجون السرية، وما مُورس فيها أو في البعض منها، من انتهاكات وجرائم تعذيب، أحد أبرز ما كشف الوجه الآخر لأبوظبي، وكيف أنها استقدمت، بحسب تقارير متفرقة، أجانب لممارسة التعذيب والانتهاكات الوحشية بحق السجناء، الذين ما يزال البعض منهم في عداد المخفيين قسرياً، ويُعتقد أنهم توفوا تحت التعذيب.
وكشف تحقيق استقصائي لوكالة “أسوشييتد برس” في 22 يونيو/حزيران 2017، أنّ الإمارات وقوات يمنية متحالفة معها، تدير شبكة من السجون السرية في أرجاء جنوب اليمن، متحدثة عن التعذيب وإساءة المعاملة على نطاق واسع.

كما أكدت منظمة “هيومن رايتس ووتش” بعدها بأيام، أن الإمارات إما مباشرة أو عبر التشكيلات التي تدعمها، احتجزت تعسفاً وأخفت قسراً عشرات الأشخاص خلال عمليات أمنية. وأبلغ محتجزون سابقون وأقارب لهم، المنظمة، أن بعض المحتجزين تعرضوا للانتهاكات أو التعذيب داخل المعتقلات، غالباً بالضرب المبرح، واستخدم عناصر الأمن قبضاتهم أو أسلحتهم أو أغراضاً معدنية أخرى. كما ذكر آخرون أن قوات الأمن استخدمت الصعق بالكهرباء والتجريد من الملابس وتهديدات المحتجزين وأقاربهم والضرب أخمص القدمين (الفلقة).

كما أن منظمة العفو الدولية، وفي تقرير أصدرته في 12 يوليو/تموز 2018، أوردت وصفاً لاختفاء عشرات الرجال قسراً في جنوب اليمن عقب اعتقالهم واحتجازهم تعسفياً على أيدي الإمارات والقوات اليمنية التي تعمل خارج نطاق سيطرة الحكومة، و”تعرض الكثير منهم للتعذيب، ويُخشى من أن بعضهم قد توفي في الحجز”، بحسب التقرير. وقالت مديرة برنامج الاستجابة للأزمات في المنظمة، تيرانا حسن، إن “عائلات أولئك المحتجزين تعيش كابوساً لا ينتهي بعد اختفاء ذويهم قسراً على أيدي القوات المدعومة إماراتياً، ويُجابه أفرادها بالصمت أو التخويف إذا طالبوا بمعرفة أماكن أقاربهم”. وأضافت: “يظهر أن الإمارات التي تعمل في ظل ظروف غامضة في جنوب اليمن قد أنشأت هيكلاً أمنياً موازياً خارج إطار القانون يتيح استمرار ارتكاب انتهاكات صارخة بلا حسيب أو رقيب”.

وذكرت المنظمة أنها أجرت تحقيقاً يتعلق بتفاصيل 51 حالة لرجال تم احتجازهم على أيدي القوات المحلية الموالية للإمارات، خلال الفترة ما بين مارس/آذار 2016، ومايو/أيار 2018 في محافظات عدن ولحج وأبين وحضرموت وشبوة. وتخلل معظمها حصول حالات اختفاء قسري، إذ لا يزال 19 رجلاً منهم مفقودين حتى الآن (تاريخ إصدار التقرير).
ووثّق التقرير استخدام التعذيب وغيره من ضروب المعاملة السيئة على نطاق واسع في مرافق الاحتجاز اليمنية والإماراتية. وسرد محتجزون سابقون وحاليون وأفراد عائلات محتجزين آخرين تفاصيل أشكال الإساءة التي تعرضوا لها بما في ذلك الضرب بأشكاله، واستخدام الصعق بالكهرباء، والعنف الجنسي. وقال أحدهم إنه شاهد جثة أحد زملائه المحتجزين يتم نقلها في كيس للجثث عقب تعرضه للتعذيب بشكل متكرر.

وفي السياق نفسه، دعت لجنة تحقيق حكومية يمنية، معنية بانتهاكات حقوق الإنسان في البلاد، في 29 مارس/آذار الماضي، إلى إغلاق كافة السجون- مراكز الاعتقال غير الرسمية، في إشارة إلى تلك التابعة للإمارات وحلفائها، وأكدت وقوع العديد من الانتهاكات بأيدي القوات المدعومة من أبوظبي في جنوبي البلاد.
وذكرت “اللجنة الوطنية للتحقيق في ادعاءات انتهاكات حقوق الإنسان”، في تقرير شمل الأعمال التي حققت فيها بين أغسطس/آب 2018 وحتى يناير/كانون الثاني 2019، أنها رصدت 3007 حالات انتهاك مختلفة في كافة مناطق اليمن موزعة على أكثر من 30 نوعاً، حققت اللجنة في 2507 من وقائعها. وسرد تقرير اللجنة عدداً من الوقائع التي جرى التحقيق فيها، بما فيها واقعة تعذيب أحد المعتقلين ويُدعى فتيني علي حسن، جرى اعتقاله من قبل “قوات الحزام الأمني”، واقتياده إلى سجن “معسكر الجلاء”، ليتم تعذيبه حتى الموت. كما سرد التقرير انتهاكات باعتقال وتعذيب مواطن يُدعى علي عبده صالح، العام الماضي، على أيدي قوات “النخبة الشبوانية” في محافظة شبوة.

معركة الحديدة

امتداداً لدورها العسكري بصدارة التحالف في دعم القوات اليمنية للتقدّم ميدانياً على الأطراف الجنوبية للساحل الغربي، حيث سواحل تعز المطلة على باب المندب، تُعدّ الحديدة محطة مركزية في الدور الإماراتي، إذ تصدّرت أبوظبي دعم التحرك العسكري باتجاه المدينة خلال العام 2018. لكن المعركة التي تُعدّ بنظر يمنيين مفصلية وأوسع من النظر إليها من زاوية الأهداف الإماراتية البحتة، لم يُكتب لها الوصول إلى طريق، إذ تدخّل المجتمع الدولي لفرض وقف إطلاق النار. على أن الدور الإماراتي كان أحد دوافع تحفّظ يمنيين إزاء التحرك نحو الحديدة بسبب الدور الذي لعبته أبوظبي جنوباً بعد انتزاع السيطرة على تلك المناطق من الحوثيين.

الخلافات مع السعودية

على الرغم من أن الطرفين لا يزالان ينفيان وجود خلافات بينهما، ومحدودية وجود دور سعودي يضع حداً للممارسات الإماراتية التي ساهمت بحرف مسار الحرب والوضع في البلاد، من تدخّل بزعم إعادة “الشرعية” ثم التحوّل إلى معركة ضدها ومحاولة تطبيق أجندة خاصة بدعم التقسيم والسيطرة على مناطق اليمن الاستراتيجية، إلا أن العديد من التطورات، كشفت عن وجود خلافات غير عادية، ظهرت في أكثر من محطة، ليس أقلها ما شهدته عدن من محاولة انقلاب عسكرية للمدعومين إماراتياً ومن ثم التوقف بعد حضور سعودي، أو ما شهدته سقطرى على ذات الصعيد.

حرصت الرياض منذ بدء تدخّلها في اليمن، على اتّباع سياسة تحاول من خلالها احتواء كافة الأطراف اليمنية المناوئة للحوثيين، بما في ذلك، حزب “الإصلاح”، الذي رتبت الرياض للقاء جمع قياداته مع ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد. وخلافاً للإمارات التي فتحت أبواب الدعم اللامحدود للانفصاليين، بقيت السعودية حريصة على الدعم العلني للحكومة الشرعية واستضافة مسؤوليها، بمن في ذلك الوزراء الذين اعترضوا في أكثر من مناسبة على ممارسات الإمارات واتهموها بالعمل ضد الشرعية.

وبقدر الحرص السعودي على عدم إثارة أي ملفات خلاف مباشرة مع الإماراتيين، لما لذلك من تأثير على معركة التحالف، إلا أن الرياض، وبعد ما يقرب من أربع سنوات ونصف من الحرب، تجد حصيلة ثقيلة، فالحوثيون باتوا يقصفون منشآت سعودية بصورة متكررة باستخدام إمكانيات عسكرية لم تكن في حوزتهم قبل بدء الحرب. في حين أن حديث التحالف المتكرر عن “تحرير” ما يصل إلى 80 في المائة من الأراضي اليمنية من الحوثيين، بدأ يفقد أهميته، في ظل الحقائق التي تشير إلى أن أغلبية اليمنيين ما يزالون يخضعون لحكم الحوثيين، بما في ذلك صنعاء، ونشوء ما يشبه انقلاباً آخر، يتحكّم بالوضع جنوباً وشرقاً بدرجة وأخرى، وكل ذلك، يلقي بظلاله على أي مراجعة سعودية للحرب في اليمن.

وبصرف النظر عما إذا كان السعوديون غير راضين عن بعض أو كل الممارسات الإماراتية، إلا أن القرار المفاجئ لأبوظبي، أخيراً، بسحب محدود وتدريجي لقواتها العسكرية من اليمن، واستبدالها في بعض المناطق بقوات سعودية، يشير إلى أن الخلافات باتت في مرحلة متقدّمة. فالرياض التي لم تُظهر استنفاراً واضحاً أو فزعاً من الانسحاب الإماراتي (في العلن على الأقل)، يبدو أنها تضع الأزمات التي يسبّبها الوجود الإماراتي في ميزان مع أهميته، لتبدو أقل قلقاً من إعلان أبوظبي الانسحاب، ما لم يكن الجانب السعودي أصبح ينظر لدور أبوظبي، كما هو حال الحكومة اليمنية، من زاوية أنه تحوّل من حليف إلى معيق، على أن المعطيات حتى اليوم، لا تمثّل سوى أجزاء من الصورة، التي قد تتكشف تباعاً في الفترات المقبلة.

الفراغ الذي تتركه الإمارات

لعل الفراغ الأكبر الذي يتركه الانسحاب الإماراتي (إذا ما اكتمل حتى النهاية)، يرتبط بالساحل الغربي والمعركة غير المكتملة في الحديدة، إذ ليس من الواضح ما إذا كانت أبوظبي سترفع يدها بالفعل عن صدارة المعركة، وما يمكن أن يؤول إليه الوضع في واحدة من أهم النقاط الساخنة التي باتت محوراً للحرب والجهود الدولية للتهدئة، منذ ما يقرب من عامين، وتشارك فيها قوات ما يُعرف بـ”العمالقة” (القوة الرئيسية)، إلى جانب قوات ما يُعرف بـ”حراس الجمهورية”، التي يقودها طارق صالح منذ تمكنه من الإفلات من مناطق سيطرة الحوثيين عقب الأحداث التي قُتل فيها عمّه في ديسمبر/كانون الأول 2017. ومن السابق لأوانه، تحديد ما يمكن أن يؤول إليه الوضع في الفترة المقبلة، قبل ظهور مزيد من المؤشرات المتعلقة بمصير التحالف والوضع اليمني ككل، فضلاً عن خطة السعوديين التي قد تظهر ملامحها في الأشهر المقبلة إذا ما انسحب الإماراتيون بالفعل.

وفي ما يتعلق بمدينة عدن والوجود الإماراتي جنوباً، يرتبط ما ستؤول إليه هذه المحافظات، بالعديد من العوامل، أبرزها مصير التشكيلات الأمنية والعسكرية والسياسية الموالية لأبوظبي، وخيار الأخيرة بالاستمرار بدعمها وتحريكها عن بُعد أو تخفيف الدعم، على نحوٍ قد يفسح المجال أمام تحوّلات تخدم الحكومة اليمنية من عدمها. كل ذلك، ما يزال من المبكر الحسم بشأنه، في ظل الواقع المفتوح على كافة الاحتمالات والمرتبط أيضاً بأسباب غير معلنة.

قد يعجبك ايضا