أسرار تُنشر لأول مرة “26 سبتمبر”: المخطط يوم جنازة الشهيد الحمدي

26 سبتمبر – المساء برس| للأسبوع الثالث تحاول صحيفة “26 سبتمبر” الناطقة باسم وزارة الدفاع بحكومة الإنقاذ بصنعاء إعادة ملف اغتيال الشهيد الرئيس إبراهيم محمد الحمدي في 11 أكتوبر 1977 إلى الواجهة، هذه المرة وتحت عنوان “أسرار تنشر لأول مرة:من تشييع الزعيم الحمدي إلى حركة عيسى محمد سيف” نشرت الصحيفة في عددها الصادر اليوم الخميس، تفاصيل جديدة تُنشر لأول مرة عمّا تلى اغتيال الشهيد الحمدي، خصوصاً يوم جنازته.
وكشفت الصحيفة عن محاولة الانتقام من قتلة الشهيد الحمدي والتخطيط لقتله في نفس اليوم الذي يتم فيه تشييع جنازة الشهيد الحمدي، والترتيب أمنياً وعسكرياً للسيطرة على الوضع في عموم البلاد بعد تنفيذ العملية، كما كشفت السبب الذي أدى إلى إلغاء العملية، وتفاصيل أخرى أوردتها “26 سبتمبر” على لسان قائد عسكري، لم تكشف عن هويته، إلا أنه من المتوقع أن يكون هذا القائد العسكري واحداً من ضمن عدد من العسكريين والمدنيين الذين تسعى سلطة صنعاء لأخذ شهاداتهم والمعلومات التي بحوزتهم في إطار إعادة “أنصار الله” فتح ملف اغتيال الشهيد الحمدي وشقيقه وكشف الحقائق بالكامل والمتورطين الرئيسيين وغير المباشرين.

“المساء برس” يعيد نشر التقرير الصحفي الذي أعده الزميلان جميل حمود وعبدالله محمد.

    تفاصيل محاولات الإطاحة بسلطة انقلاب 11أكتوبر 1977م الدموي المروع

أثارت جريمة اغتيال الزعيم إبراهيم الحمدي سخطاً شعبياً عارماً عم معظم المدن والقرى واستمرت التظاهرات لثلاثة أيام متتالية هتفت ضد القتلة وأكدت على ضرورة الكشف عن الجريمة وتقديم المتورطين الخونة الى المحاكمة.
الغضب شمل كذلك وحدات الجيش والأمن حيث يكشف لنا قائد عسكري عن مخطط للإطاحة بالغشمي يوم تشييع جثمان الزعيم الحمدي وشقيقه وكان من المفترض أن يتم استهداف الغشمي اثناء التشييع فيما تقوم قوات عسكرية موالية بالسيطرة على الوضع وبحسب القائد فإن السبب الذي أدى الى تأجيل العملية هو تواجد الرئيس سالم ربيع علي في التشييع الذي شارك فيه عشرات الآلاف من المواطنين والذين توافدوا الى مكان التشييع منذ ساعات الصباح الأولى واستمرت التظاهرات حتى بعد الانتهاء من عملية التشييع، وفي اليوم التالي خرج الآلاف إلى شوارع صنعاء وجرت مطاردات مع قوات الأمن وبحسب شهادات من عاصروا تلك الفترة فقد شاركت النساء في تقديم الطعام للمتظاهرين الغاضبين حيث كانت التظاهرات تجول شوارع صنعاء حاملة صور الزعيم الحمدي ومؤكدة على محاكمة القتلة وكشف خيوط الجريمة.
وإزاء هذا الغضب الشعبي العارم الذي بدأ اثناء التشييع وكذلك الهتافات ضد السعودية لم يجد ملحقها العسكري صالح الهديان أي مخرجاً لنفسه سوى الهرب من صنعاء باتجاه عمران ومن ثم نحو السعودية قبل ان يعود الى صنعاء مجدداً.
بعد ذلك بأيام قام ضابط (الكبسي) بمحاولة اغتيال الغشمي إلا انه قتل قبل اطلاق الرصاص وهو ما دفع الغشمي إلى اتخاذ الكثير من الاحتياطات الأمنية والعسكرية ناهيك عن محاولته نفي أي مشاركة له بجريمة اغتيال الزعيم الحمدي.
وهذه الاحداث تؤكد ان الشعب اليمني كان ولا يزال وفياً مع زعيمه الشهيد الذي قدم حياته من أجل استقلال وحرية اليمن ومن أجل سعادة الشعب وتقدمه وتطوره.
وكان الانقلاب الدموي ضد الزعيم الحمدي منطلقاً للفعاليات الشعبية الحاشدة ضد سلطة الانقلاب حيث أقيمت فعاليات شعبية كبيرة منها للقبائل في ذمار وعمران وإب وكافة المناطق الوسطى.

    حركة عيسى محمد سيف

نحن لم نستهدف اشخاصاً بل استهدفنا تغيير الواقع … هكذا تحدث وبكل شجاعة قائد حركة 15اكتوبر 1978م الشهيد عيسى محمد سيف في جلسة المحاكمة وهو يوضح ليس للإدعاء او لهيئة المحكمة بل للشعب حقيقة الحركة العسكرية السلمية لتغيير الأوضاع التي طرأت بعد مقتل الزعيم الشهيد إبراهيم الحمدي.
أكد عيسى محمد سيف مراراً في تلك المحاكمة أن قادة الحركة وهو على رأسهم اتخذوا خيار الثورة البيضاء أو أرادوها حركة بيضاء دون إراقة قطرة دم واحده وكان هدفهم الأول والأخيرإعادة الشعب الى المسار الصحيح للبناء والتنمية وهو المسار الذي توقف عندما امتدت ايادي العمالة والخيانة لتغتال الزعيم الشهيد إبراهيم الحمدي فكانت من نتائج ذلك الانقلاب الدموي المروع عودة النفوذ الخارجي وعلى رأسه السعودي ليتحكم بمصير اليمنيين وتتوقف عجلة البناء والتنمية وتتفاقم الأوضاع الأمنية والعسكرية والاقتصادية والسياسية لتنذر بانفجار وشيك جراء ما انتهجته سلطة الانقلاب الدموي من سياسات فرضها الملحق العسكري السعودي صالح الهديان والذي كان يعتبر هو الحاكم الفعلي لليمن بعد اغتيال الزعيم الحمدي.

    يقظة مبكرة

لقد جاءت حركة أكتوبر لتدق ناقوس الخطر لكافة اليمنيين فكانت أول محاولة مبكرة لإعادتنا الى مسار الدولة المدنية الحديثة والتي أسسها الزعيم الشهيد الحمدي قبل ان تتآمر عليه القوى المحلية العميلة والقوى الإقليمية والدولية.
وبالعودة الى تفاصيل انتفاضة عيسى نجد أن قرار التغيير اتخذه هذا القائد مع رفاقه بعد أن أدركوا حقيقة نتائج الانقلاب الدموي على الزعيم الشهيد الحمدي والى اين تمضي البلاد في ظل عودة الفساد وسلطة مراكز النفوذ وهيمنة القصر الملكي عبر سعادة الملحق العسكري والأخطر من كل ذلك تأثيرات تدمير المشروع الوطني على منظومة القيم المجتمعية وهي المنظومة التي رسخها الزعيم الشهيد الحمدي بنموذجه الفريد في إدارة الدولة وتحقيق النهضة وإرساء دعائم التصحيح الشامل وتعزيز قيم الانتماء للوطن واعلاء روح المسؤولية لدى المواطن والمسؤول.
كانت كل تلك القيم تتعرض للتدمير اليومي على أيدي الانقلابيين الذين لم يرتقوا الى المستوى الثقافي والوطني للزعيم الشهيد الحمدي ولم يستوعبوا أهمية ما حققه وأهمية استمرار مسيرة التنوير والعمران على كافة الأصعدة والمجالات.
لم يكن عيسى وحيداً وهو يتابع بألم ما آلت اليه الأوضاع ويقرأ ما ستؤول اليه اذا ما أستمر القتلة في السيطرة على القرار الأول لصالح المملكة السعودية ومن خلفها القوى المشاركة في جريمة الاغتيال فقد كان مع عيسى عدد من القادة العسكريين والمسؤولين المدنيين الذين لا زالوا على عهد الوفاء للوطن أولاً وللزعيم الشهيد الذي قدم روحه في سبيل بلده وشعبه.

    مسؤولية القرار

أمام المستجدات الوطنية في تلك الفترة وقف قادة الحركة بمسؤولية فقرروا تنفيذ حركة ثورية عسكرية تهدف إلى تحرير الشطر الشمالي وقتها من الهيمنة الخارجية وازاحة أدوات تلك الهيمنة من مواقع صناعة القرار وكان الموعد المحدد لها هو الذكرى الأول لاغتيال الزعيم الشهيد الحمدي أي في 11اكتوبر 1978م إلا ان ساعة الصفر تأجلت لعدة أيام فكان التحرك في 15اكتوبر من نفس العام.
في ظل ظروف صعبة عمل عيسى ورفاقه على الاعداد والتنظيم للتغيير الذي يعيد اليمنيين الى طريقهم الصحيح وهو الطريق الذي حدد مساره الزعيم الشهيد الحمدي وانضم اليهم عدد من الضباط وكذلك المسؤولين فيما كانت الأجهزة الأمنية تبحث عن أي محاولات لاستنهاض الإرادة الشعبية وعن أية تحركات قد تشكل خطراً على سلطة الانقلاب الدموي المروع.
لقد أراد عيسى محمد سيف استئناف التاريخ اليمني الذي توقف في 11اكتوبر 1977م ومضى بكل ثقة وإيمان في الإنقاذ المبكر للشعب والوطن ونقصد هنا بالإنقاذ المبكر من الانحراف الخطير الذي مضت فيه البلاد تحت سلطة الملحق العسكري وأدوات السعودية من قادة ومسؤولين ومشايخ وغيرهم وهي الأدوات التي راحت تعزز من سلطتها وسطوتها بعد اغتيال الزعيم الشهيد الحمدي فقررت ودون سابق انذار استهداف الكوادر الوطنية اما بالاغتيالات الفورية او بالاعتقالات ومن ثم الاخفاء القسري.
لم تتوقف سلطة صالح الهديان عن استهداف شباب جامعة صنعاء والكوادر المؤهلة التي اخذت فرصتها في عهد الزعيم الشهيد فوصلت الى ما كانت تصبو اليه من مناصب واعمال في ظل الشعور الوطني الذي كان هو القانون الأخلاقي في تلك الفترة قبل ان يتعمد القتلة استهداف كل ذلك بإعادة تفعيل عصابات الفساد والابتزاز وعادت من جديد مظاهر الفساد المالي والإداري والاعتداءات على المواطنين البسطاء سيما من المشايخ والقادة والمسؤولين.

    ساعة الصفر

من خلال قراءة أحداث تلك الفترة نجد أن حركة أكتوبر امتلكت اسباباً موضوعية تقف خلف القرار الخطير والمسؤول في نفس الوقت لقادة الحركة الذين كانوا يتوزعون عدة مناصب عسكرية ومدنية والذي تمثل في تحديد ساعة الصفر والبدء الفعلي بالتنفيذ دون أي تأجيل فقد لا تحتمل أوضاع البلد أي ترحيل آخر لساعة الصفر سيما مع اتساع دائرة مراكز النفوذ على حساب الكوادر الوطنية وذلك في قيادة مؤسسات الدولة والجهازين الأمني والعسكري.
وكما قال عيسى محمد سيف إن تلك الحركة لم تكن تستهدف اشخاصاً بقدر ما كانت تستهدف الواقع وبالتالي فإن قرار ان تكون حركة بيضاء كان نابعاً من المسؤولية الوطنية التي تحلى بها قادة الحركة وحرصهم على دماء اليمنيين بمن فيهم قتلة الزعيم الشهيد الحمدي وكافة عملاء المخابرات الأجنبية.
لقد كان بإمكان قادة الحركة سيما بعد ان انجزوا الكثير من المهام بحسب خطة التحرك أن يستهدفوا الشخصيات التي ستقف امامهم او المتوقع ان تقاوم الفعل الثوري وذلك بالتصفية إلا ان قرار قائد الحركة اقتصر على ان يتم التحفظ على عدد من الشخصيات في قيادة الدولة واعتقالها حتى استكمال كافة المهام ومن ثم الافراج عنها.

    اقرب للنجاح لكن ماذا حدث؟

خلال ساعات فقط تمكن قادة الحركة من السيطرة على مقر القيادة العامة للقوات المسلحة وعدد من المراكز والمقار الحيوية والسيادية وكذلك تأمين مداخل العاصمة وكانت الحركة قاب قوسين او ادنى من اعلان النجاح النهائي وبث الخبر لعموم أبناء الشعب التواقين لمن يتحدث اليهم عن الزعيم الشهيد الحمدي ومن يسمح لهم برفع صوره والحديث عنه والترحم عليه.
غير ان قيام وحدات عسكرية بالمقاومة صباح الـ 15من أكتوبر 1978م وذلك بإطلاق النار واستخدام المدفعية جعل قائد الحركة امام اختبار صعب فإما ان يعطي الأوامر بالرد على أي مصدر خطر والتعامل معه بالحزم والقوة وهو ما يعني اشتباكات وسط العاصمة أو يلتزم القائد بما اختاره ورفاقه من ان تكون الحركة بيضاء وبالتالي مواجهة أي مصير محتمل قد يحدث.
لقد اختار عيسى محمد سيف وبكل شجاعة ان تكون الحركة بيضاء وأكد الحفاظ على دماء اليمنيين فكان الإصرار على سلمية الحركة سبباً أول في عدم وصولها الى مرحلة النجاح الكامل وفي التحركات العسكرية فإن التراجع يعني الفشل وهو ما حدث بالفعل.
ومن يتحدث عن أسباب أخرى لفشل الحركة فلابد ان يدرك هنا أهمية السبب الرئيس ومستوى تأثيره على مستقبل الحركة التي لم تستمر إلا لساعات فقط فقد كان بإمكان عيسى محمد سيف ومعه كافة القادة العسكريين الذين استجابوا لنداء الوطن في التحرر من الهيمنة الخارجية وسلطة الملحق العسكري ان يردوا على النار بالنار وان تستمر الاشتباكات والمواجهات حتى تحسم المعركة والحسم هنا قد يكون لصالح الحركة التي كانت قد سيطرت على اهم المقرات الحيوية , ولهذا فرغم الأخطاء التي قد يبرزها البعض ويجعلها على رأس أسباب الفشل إلا ان النجاح كان من الاحتمالات الواردة لو استمرت الحركة في السيطرة وبالتالي المواجهة غير ان قادتها ارادوها بيضاء وهنا كان القرار الشجاع الذي يجب ان يخلد في ذاكرة اليمنيين وهو الانسحاب وإيقاف الحركة حفاظاً على دماء اليمنيين وهي الرسالة التي نستخلصها من درس حركة أكتوبر والتي كان يجب أن يُقابل قادتها بنفس النهج وهو نهج التسامح بالحفاظ على دمائهم كما حافظوا على دماء خصومهم وقت تحركهم وسيطرتهم على الوضع في صنعاء.
ليتفاجئ أبناء الشعب اليمني بتلك المحاكمات والاحكام ليبدأ مسلسل الدم بإعدام قادة الحركة المدنيين والعسكريين وهم كما يجمع الكثير من المفكرين والمثقفين والسياسيين اليمنيين من خيرة شباب وأبناء اليمن علماً وثقافة ووطنية.
وعلى وقع جريمة الإعدام ارتكبت السلطة جريمة أخرى بإخفاء جثامين قادة الحركة وهي القضية التي لا تزال حاضرة حتى يومنا هذا لا تسقط مع مرور الأيام والأشهر والسنوات إلا بإعادة الاعتبار لهؤلاء القادة ومعرفة أماكن دفنهم.

قد يعجبك ايضا