هكذا تحوّل مسار ومصير ثورة 26 سبتمبر

المساء برس – وما يسطرون – محمد ناجي أحمد| مع ثورة سبتمبر تقلبت الأوضاع وتبدلت الطباع ،إذا جاز لنا استخدام تعبيرات المؤرخ المصري (الجبرتي ) الذي عاش تحولات مصر أثناء وبعد الحملة الفرنسية 1798م – فمن حكم بيت حميد الدين ،ومشاركة القضاة والمشايخ لهم ،إلى حكم مختلف يأتي على رأسه ابن الفحام والفلاح والجندي ،الذين انخرطوا في التعليم بمدرسة الأيتام ،والمدرسة المتوسطة والثانوية ،ثم ليلتحقوا بالكليات العسكرية ،ولتأتي التحولات بعد الحرب العالمية الثانية لصالحهم…
أورد القاضي الرئيس عبد الرحمن الإرياني في مذكراته أن من أسباب رفض السعودية الاعتراف بالنظام الجمهوري بصنعاء ، الانتماء الاجتماعي للرئيس عبد الله السلال ،فهو ابن فحام ،وجذوره الاجتماعية فلاحية ،وينتمي للسوقة ،والسوقة في تعريف الجوهري صاحب تاج اللغة وصحاح العربية ” السوقة من الناس من لم يكن ذا سلطة “ج4-ص1499.
يأتون إلى الحكم وفي أذهانهم إزالة الطبقات ،فإذا بهم يصبحون طبقة حاكمة ،ويبنون جيشا صار مع التحولات مركزا من مراكز القوى المتصارعة على الحكم ،بعد أن كان هو المركز الرئيسي للسلطة بعد 26سبتمبر 1962م فإذا بحرب الثمان سنوات مع الكيان السعودي تزيح السلال وجزيلان عن الحكم ،وقبلهم كان تنظيم الضباط الأحرار قد غمره النسيان في أسابيع الثورة الأولى ،فصار مجرد أقاويل واجتهادات شخصية تتردد هنا وهناك .فلا وثيقة تدل على تنظيم يعبر عن أبناء الفلاحين والجنود ،ومع سقوط قائد التنظيم الملازم علي عبد المغني بعد أسبوعين من الثورة تحولت حكاية المائة ضابط في التنظيم مجرد حكاية ذابت وسط زحمة القصص المنتصرة .
وعادت قوى المشيخ والقضاة ،واستمرت علاقتهم قلقة بضباط الجيش ،فكانت تصفية قادة المدارس العسكرية من الصاعقة والمظلات والمشاة والمدفعية –سحلا وقتلا ،وغيلة وإخفاء ،لتنتهي هذه العلاقة المتربصة بانتصار جيش القبيلة (الجيش الشعبي) المدجج بالسلاح والمال السعودي ،وليكون سقوط الفريق حسن العمري كآخر الضباط الكبار ،الذين بقوا مدة بعد التخلص من ضباط الدفاع عن صنعاء والجمهورية خلال حصار السبعين يوما ،وحين صفا وجه السلطة لقوى المشيخ والقضاة تم تدبير قصة العمري مع المصور الحرازي ،حين قتله في لحظة انفعال ،وتضخم للذات ،كان معروفا كسمة من سماته لقوى المشيخ فاستثمرت حالته النفسية لتوجهها نحو شرك ومصيدة انتهت به منفيا ومقصيا في مصر .
ومع صعود من تبقى من مدرسة العمري كان الحمدي والغشمي وعلي عبد الله صالح .الأول اغتالته أحلامه وآماله الوطنية ،التي تجاوزت المسموح به محليا وإقليميا ودوليا ؛ على صعيد القرار السياسي والتنمية ،وشكل الدولة ،والوحدة ،والسيادة على موانيء اليمن في البحر الأحمر … والغشمي كان إدراكه وبصيرته لا تتجاوز طمعه بالسلطة ،وأن يحل محل الحمدي وبمشروع الحمدي ،أي أنه لم يغير طريقة تعامله مع قوى المشيخ ،ومنعها من الدخول إلى صنعاء ، وطلب منها أن تظل في خمر ،وهو المكان الذي احتشدت فيه مؤلبة وداعية للنفير ضد الحمدي . فكانت النتيجة أن تناثر جسده ،ليضيع دمع وسط حكايات عن تفاريش ورغبة سالمين بالانتقام لصديقه الحمدي ،ليظل القاتل الإقليمي يتفرج بتلذذ !
ثم كان علي عبد الله صالح الذي أدرك بذكائه الفطري ،وحس المغامرة المأمونة أن الحكم الذي تريده السعودية في اليمن يجب أن يدار بعدة رؤوس ؛كإقطاع عسكري ومشيخي وديني وتجاري . في تكوين الجيش والحكومة ،والمحافظين ،وتوجه الاقتصاد وتقاسم ثروات الوطن ،واستلاب القرار بوصاية سعودية مباشرة .
وحين بدأ علي عبد الله صالح مع ظهور النفط عام 1986م،كان التواصل المباشر مع الإدارة الأمريكية ،وجورج بوش الأب حين كان نائبا ثم رئيسا للولايات المتحدة الأمريكية ،ثم كان قرار الوحدة اليمنية بضوء مباشر من أمريكا لإزالة آخر معقل من معاقل ونفوذ الاتحاد السوفيتي في البحر الأحمر وخليج عدن وبقايا الرفاق بعد مجزرة أحداث يناير 1986م .ثم حرب 1994م والتصدي بحزم لإرادة السعودية ،مستقويا بأمريكا .ومع النصف الثاني من التسعينيات وانتخابات 1997م و1999م ،كان البدء بفك الارتباط مع “رؤوس الثعابين ” الشريكة معه بالحكم ،والضامنة في وجودها للسيادة السعودية على القرار اليمني ،ومتزامنا مع خطوات فك الارتباط كان تأسيس صالح لجيش “الحرس الجمهوري ” بالتوازي مع تفكيكه لجيش “رؤوس الثعابين ” الذي كان يعبر عن تحالف صالح مع قوى المشيخ والإخوان المسلمين والتجار ،وبلغ ذروة هذا المسار بانتخابات المجالس المحلية والرئاسية عام 2006م كذروة معبرة عن إصرار صالح بتغيير لعبة الحكم وتوازناتها التي تؤمن الهيمنة السعودية . وليكون العرض العسكري عام 2009م كإعلان نهائي في رفض الوكالة السعودية على اليمن ،والتواصل المباشر مع الأمريكيين .
هي حلقات تتكامل سياسيا وعسكريا واقتصاديا نحو تفرد صالح بالحكم ،وتحرره من الوكيل الإقليمي من خلال القفز عليه نحو الراعي الأمريكي…
في مرحلة ما كان الأمريكيون مع هذا المسار ،لكنهم ليس لديهم خط واحد يسيرون فيه ،الثابت هو تحقيق مصالحهم وأهدافهم في المنطقة العربية والآسيوية .
ولتغير في الأحوال وتقلب الأوضاع اقتضى الأمر انعاطفة عن هذا المسار ،مما ترتب عليه مصير علي عبد الله صالح وسقوطه في 2011 م واحتراقه في جامع النهدين ،كوجهة نظر أمريكية تبدلت بسبب متطلبات وأهداف أمريكا في البحر الأحمر والهضبة الإيرانية ،والجمهوريات الآسيوية المتاخمة لروسيا .
هنا يسقط العابر ويكون الرهان على مشيخات محطات البنزين ،سريعة الإنجاز والترويج للمشروع الأمريكي الصهيوني في المنطقة !

*نشر في يوميات صحيفة الثورة، الاثنين الموافق ٧-٥-٢٠١٨م.

قد يعجبك ايضا