“قصة الأشراف وابن سعود”.. الحلقة (16)

المساء برس – سلسلة حلقات خاصة| كتاب قصة الأشراف وابن سعود.. لمن أراد أن يفهم ما يحدث الآن في الشرق الأوسط

إن ما نضعه بين يدي القارئ هي قراءة تاريخية بحتة وغير متحيزة، لأحداث الشرق الأوسط خلال القرن الماضي لما لها من أهمية بالغة لا تزال تأثيراتها حاضرة حتى وقتنا الحالي.

توطئة المؤلف:
لقد ترافق قيام دولة آل سعود (المملكة العربية السعودية) وانهيار دولة الأشراف في الحجاز (مملكة الحجاز) تغيرات كبيرة أثرت على العالم الإسلامي عموماً والمنطقة العربية خصوصاً.
وبقيت آثار تلك التغيرات الكبيرة بارزة إلى وقتنا الحاضر بالرغم من تقادم الزمن وكثرة العواصف التي مرّت بها هذه المنطقة.

تعيين الحسين شريفاً

عند إعلان الدستور العثماني في 24تموز1908كانت شرافة مكة في يد علي بن عبدالله، وهو ان عم الحسين وأخو زوجته الأولى. وقد تباطا في تأييد الدستور فصدر الأمر بعزله وبتعيين عمه عبد الإله بن محمد بدلاً عنه. وكان عبدالإله مقيماً في إسطنبول، وكان كبير السن مريضاً. وقد مات فجأة بعد يومين من صدور أمر تعيينه. وقيل إنه مات من شدة الفرح(1)كما قيل إنه مات مسموماً(2).

قدم الحسين إلى السلطان عبدالحميد –وكان لا يزال في الحكم –عريضة طلب فيها تعيينه للشرافة لكونه “أسن العائلة الهاشمية وأحقها بمقام الآباء “. وحمل العريضة ابنه عبدالله حيث ذهب بها إلى الصدر الأعظم كامل باشا. وفي 1تشرين الثاني استدعى السلطان عبدالحميد إليه الحسين وعينه شريفاً لمكة كما منحه رتبة الوزارة.

اختلفت الأقوال في السبب الذي حد بالحكومة العثمانية إلي تعيين الحسين لشرافة مكة. فمنهم من يقول : إن الاتحاديين هم الذين اختاروا الحسين للشريفة بيمنا كان السلطان معرضاً لقذا الاختيار (3). ومنهم من يقول :”إن الاتحاديين كانوا يرغبون في تعيين علي حيدر، وهو فيد عبدالمطلب من ذوي زيد، ولكن السفر البريطاني ضغط عليهم من أجل تعيين الحسين (4). وقال أيضاً إن السفير البريطاني كان له نفوذ لدى الصدر الأعظم كامل باشا، وقد أصر هذا الرجل على تعيين الحسين بخلاف رأي السلطان إذ كان السلطان يعتقد أن الحسين رجل خطر، وأنه سوف لا يكتفي بالشرافة بل سيطمح إلي أكثر منها، وربما هدد عرش السلطنة العثمانية (5).

إن عبدالله يروي في مذكراته رواية تدل على النقيض، مما ذكرنا، حيث يقول إن أباه الحسين عندما أراد مغادرة إسطنبول للتوجه إلى مكة قابل السلطان عبدالحميد لتوديعه، واختلى به أكثر من ساعة ونصف، فقال له السلطان :”لست بالأمين على الدولة من هذه الفئة المتغلبة ” فقال له الحسين : إذا ضاقت بك الدنيا فالجا إلينا وسوف نجبي لك الأموال ونخضع لك رقاب العصاة فاغرورقت عينا السلطان بالدموع وقال : أشكرك، أشكرك، بارك الله فيك ولكن الوقت لم يحن بعد…(6)

وصوله إلى مكة

غادر السحين وأهله إسطنبول في تشرين الثاني 1908 في باخرة من بواخر الشركة الخديوية. وكان في توديعه كثيرون، في مقدمتهم كامل باشا وفي 3كانون الأول وصلت الباخرة إلأى جدة، وكان استقباله فيها فخماً يحدثنا عنه رجل من أهلها حيث يقول ما نصه: “…كان رصيف المينا مكتظاً بالمستقبلين وعلى رأسهم عدد كبير من الأشراف، فحيوه أحسن تحية، وأظهروا له عظيم السرور بتوليته إمارة مكة، وتلك عادة الناس جميعاً وبالأخص الحجازيين ن وإن يظهروا السرور بكل وال وأمير وإن كانت قلوبهم غير راضية. ونزل في جدة ضيفاً على والدي الشيخ محمد نصيف، وحياء الحاج محمد علي زينل.. بخطبة مسهبة حوت من غرر المديح ودرر الثناء شيئاً كثيراً، وأجابه الحسين بالتأثر الذي أسأل عبرته من مآقيه”(7).

كانت قد حضرت إلى جدة وفود كثيرة من مختلف مدن الحجاز وقبائله للترحيب بالحسين. وكان من جملة تلك الوفود وفد يمثل حزب الاتحاد والترقي. وقام رئيس الوفد يخطب مرحباً بالحسين واصفاً إياه ب”الأمير الدستوري” وأعرب عن أمله بأنه سوف يعمل بمقتضى روح العصر والتجدد. فرد الحسين على هذا الخطاب بعنف مشيراً إلى أنه لا يعرف هذه الأمور الجديدة، والحجاز هي بلاد الله لاتقوم فيها غير شريعة الله المشتملة على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فليذهب كل منكم إلى عمله : المأمور في وظيفته، والتاجر في تجارته، والصانع في حرفته. وأياكم من قال وقيل وما يقولون، فهذه بلاد الله ليست بملك أحد، وأ، السلطان الذي أمر بالدستور يفتخر هو وأسلافه بأنهم خدام الحرمين. وإن دستور بلاد الله شريعة الله وسنة نبيه فخرج أعضاء الوفد من عند الحسين وهم يتعقرون، وكتبوا إلى إسطنبول يقولون : إن عبدالحميد بع إلينا رجلاً لا يعبأ بأحد ولا يقر بدستور ولا يتجدد(8).

مكث الحسين في جدة ثلاثة أيام، ثم غادرها إلى مكة، فوصلها في 7كانون الأول. وكان في استقباله أخوه الشرياف ناصر، والمشير كاظم باشا قاضي مكة، وسادن الكعبة عبدالقادر الشيبي، وكثيرون غيرهم.

وفي اليوم الثالث من وصوله إلى مكة أرسل ابنه عبدالله إلى الطائف لإحضار خاله الشريف المعزول علي بن عبدالله الذي كان فيها. يروي عبد الله في مذكراته أنه عندما وصل إلى الطائف وقابل الشريف المعزول مختلياً به جرت بينهما المحاورة التالية:
علي :ما الذي ستفعلونه بي؟
عبدالله :” الخير كله إن شاء الله ”
علي :”هل ترضى يا عبدالله بسفري إلى إسطنبول فيفعل بي سفهاء الاتحاد والتقي ما فعلوه بوزرائهم ؟”
عبدالله:” لا يكون ذلك إن شاء الله”
علي:”كيف”
عبدالله: “الذي تحب، إن رأيت البقاء فأنت في بلادك بعد أن نتفاهم مع ابن عمك، وإن أردت الخروج فابق بمصر ولا تسافر إلى إسطنبول من هنا إلا بعد أن تطمئن ”
علي :”أتضمن لي هذا ؟”
عبدالله:”أسعى إن شاء الله”
علي:” ألست خالك؟”
عبدالله :” بلى والله”
علي :” أترضى لي الإهانة ”
عبدالله:”حاشا الله، ولكن علي عهد الله لك في أنني إن عجزت عن تنفيذ مرغوبك أن لا أفارقك حيث تسير”
علي:”رضيت الآن” ثم دمعت عيناه وقبل عبدالله(9).

وعندما وصل علي إلى مكة بصحبة ابن اخته عبدالله توجه لمقابلة الحسين، فاستقبله الحسين من باب البهو، ثم أجلسه على سريره، واختلى به ساعة من الزمن. وفي اليوم التالي عقد الحسين مجلساً خاصاً لتقرير مصير الشريف المعزول، فاختلفوا في أمره، وأصر عبدالله على السماح له بالذهاب إلى مصر قائلاً: ” إنني تعهدت له بأنه إذا سيق إلى إسطنبول فإنني أسافر معه يصيبني ما يصيبه ” وتم القرار أخيراً على السماح له بالسفر إلى مصر (10).

ويقال إنه عند رحيله إلى مصر حمل معه كثيراً من الأموال، فاشترى بها أملاكاً وعقاراً وقصراً بديعاً في حدائق القبة التي كانت يومذاك من ضواحي القاهرة، وعاش هناك عيشه راضية مرفهة(11).

المراجع:
(1)أنيس صائغ (المصدر السابق)-ص36-37.
(2)أحمد السباعي( تاريخ مكة )–القاهرة 1372ه-ص396.
(3)جورج أنطونبوس (يقظة العرب ) –ترجمة ناصر الدين الأسد وإحسان عباس-بيروت 1962-ص178.
(4)أنيس صائغ (المصدر السابق)-ص37.
(5)محمد طاهر العمري (مقدرات العراق السياسية )-بغداد1925-ج1،ص177.
(6)عبدالله بن الحسين (المصدر السابق)-ص27.
(7)احسين محمد نصيب (تاريخ الحجاز)-القاهرة 1349هـ -ج1،ص7.
(8)عبدالله بن الحسين(المصدر السابق)-ص24-25.
(9)المصدر السابق-ص38.
(10)المصدر السابق-ص39
(11)حسين محمد نصيف (المصدر السابق)-ص5.

قد يعجبك ايضا