“قصة الأشراف وابن سعود”.. الحلقة (10)

المساء برس – سلسلة حلقات خاصة| كتاب قصة الأشراف وابن سعود.. لمن أراد أن يفهم ما يحدث الآن في الشرق الأوسط

إن ما نضعه بين يدي القارئ هي قراءة تاريخية بحتة وغير متحيزة، لأحداث الشرق الأوسط خلال القرن الماضي لما لها من أهمية بالغة لا تزال تأثيراتها حاضرة حتى وقتنا الحالي.

توطئة المؤلف:
لقد ترافق قيام دولة آل سعود (المملكة العربية السعودية) وانهيار دولة الأشراف في الحجاز (مملكة الحجاز) تغيرات كبيرة أثرت على العالم الإسلامي عموماً والمنطقة العربية خصوصاً.
وبقيت آثار تلك التغيرات الكبيرة بارزة إلى وقتنا الحاضر بالرغم من تقادم الزمن وكثرة العواصف التي مرّت بها هذه المنطقة.

من ذيول مؤتمر النجف – تكملة

في 8 محرم عام 1218هـ – وهو يوافق 30نيسان 1803م-دخل الأمير سعود مكة محرماً فطاف وسعى ونحر نحو مائة بعير. وفي اليوم التالي نادى مناديه يأمر الناس بالاجتماع ضحى الغد. وعندما تم اجتماع الناس في الوقع المحدد صعد الأمير سعود على درج الصفا، وكان المفتي عن يمنيه والقاضي عن يساره، وخطب تقليداً للنبي عند فتحه مكة، حيث قال ما نصة:

الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله وحده، صدق وعده، ونصر عبده، وأنجز وعده، وأعز جنده لا إله إلا الله، ولا نعبد إلا إياه، مخلصين له الدين، ولو كره الكافرون، الحمد الذي صدقنا وعده. يا أهل مكة أنتم جيران بيته آمنون بأمنه وسكنى حرمة، وأنتم في خير بقعة. اعلموا أن مكة حرام ما فيها، لا يختلى خلاها، ولا ينفر صيدها ن ولا يعضد شجرها ن وإنما أحلت ساعة من نهار. إنا كنا أضعف العرب، ولما أراد الله ظهور هذا الدين دعونا إليه وكل يهزا بنا ويقاتلنا عليه وينهب مواشينا ونشتريها منه ولما نزل ندعو الناس للإسلام وجميع من تراه عيونكم ومن تسمعون به من القبائل إنما أسلموا بهذا السيف – ورفع سيفه تجاه الكعبة – وقد كنتُ في هذا العام غازياً نحو العراق فلما سمعت ما وقع من المسلمين بغزو الطائف، وأقبلوا عليكم يغزونكم، خفت عليكم من العريان والبادية. فاحمدوا الله الذي هداكم للإسلام وأنقذكم من الشرك، وأنا أدعوكم أن تعبدوا الله وحده وتفعلوا عن الشرك الذي كنتم عليه، واطلب منكم أن تبايعوني على دين الله ورسوله، وتوالون من والاه، وتعادون من عاداه، في السراء والضراء ن والسمع والطاعة.

وبعد أن انتهى الأمير سعود من خطبته جلس ن وتهافت الناس عليه يبايعونه وكان في مقدمتهم المفتي والقاضي والشريف عبد المعين أخو الشريف غالب. ثم أمر الأمير سعودي أهل مكة يهدم جميع القبب والقبور التي فيها حتى لا يكون هناك معبود غير الله.

وفي الصباح التالي بادة الوهابيون ومعهم الكثيرون من أهل مكة، ومعهم المساحي، فهدموا القبب القائمة في المصلى، ثم هدموا قبة مولد النبي ومولد أبي بكر ومولد علي بن أبي طالب وقبة السيدة خديجة، وظلوا كذلك حتى لم يبق في مكة أثر من قبة. وكانوا في أثناء الهدم يرتجزون ويضربون الطبول ويشتمون القبور ويقولون::ما هي إلا أسماء سميتموها ” ويقال إن أحدهم بال على قبر السيد المحجوب(1).

وأمر الأمير سعود بإحراق النار جيلات وآلات اللهو، ومنع من تدخين النتن والتنباك، كما منع الاستغاثة بالمخلوقين وبنا القبب على القبور وتقبيل الأعتاب. وكذلك منع كل عبارة تضاف إلى الأذان كالصلاة على النبي، أو قول المؤذن ” يا أرحم الراحمين” أو الترضي عن الصحابة، فقد اعتبرها من قبيل الشرك. ثم أمر بتدريس كتاب محمد بن عبدالوهاب المسمى “كشف الشبهات ” في المسجد في حلقة عامة يحضرها العلماء والأهالي، ففعلوا ذلك.

وبعد أن مكث الأمير سعود في مكة نحو أربعة وعشرين يوماً توجه بجيوشه نحو جدة بغية فتحها. وكان الشريف غالب قد تحصن وراء أسوار جدة مستعداً لقتاله. فدام القتال بين الفريقين ثمانية أيام دون يفلح سعود في فتح جدة.

وقد اضطر سعود إلى العودة إلى نجد على أثر خبر مقلق وصله منه. وتمكن الشريف غالب من العودة إلى مكة.

وظلت الحروب متصلة بين الشريف غالب والوهابيين. واستطاع الوهابيون في عام 1804 أن يشددوا الحصار على مكة وقطع المؤن عنها فاستفحلت المجاعة فيها واستمرت حتى السنة التالية واضطر بعض الناس إلى أكل الجلود والنوى ويزر الخشخاش ن والهررة والكلاب (2) وكل حيوان، وشربوا الدم، وأكلوا نباتاً يسمى “الأخريط” كان يسبب فيهم ورماً، وشوهد الأطفال موتى في الأرقة(3).

اضطر الشريف غالب في شباط 1086 إلى عقد الصلح مع الوهابيين ن وتم الصلح بينهم على أن يكون الحجاز خاضعاً للوهابيين وأن يبقى الشريف غالب عل إمارته تابعاً لهم.

ويحن حل موسم الحج في السنة التالية قال الأمير سعود لأميري الحج الشامي والمصري:” ما هذه العويدات التي تأتون بها وتعظمونها” مشيراً على المحامل، فأجاباه بأن هذه المحامل إشارة لاجتماع الناس وهي عادة قديمة. فقال لهم: “لاتفعلوا ذلك بعد هذا العام، وإن أتيتم بها فإني أكسرها”. وكذلك أشترط عليهما أن لا يأتيا بطبول وزمور.

وفي موسم الحج التالي حين وصل أمير الحج الشامي إلى مقربة من المدينة أرسل إليه الأمير سعود يقول:”لاتدخل الحجاز إلى على الشرط الذي شرطناه عليك في العام الماضي ” فعاد أمير الحج مع من كان معه من السنة. كما أمر مناديه بأن ينادي في الناس:” لا يأتي الحرمين بعد هذا العام من يكون حليق الذقن”. ومنذ ذلك الحين انقطع المصريون والشاميون عن الحج(4)، كما انقطع العراقيون(5).

وأمر سعود بهدم جميع القبب التي كانت في البقيع وفي المدينة، ماعدا قبة المسجد النبوي كان من بينها أربع شمعدانات من الزمرد في كل واحد منها قطعة من الماس تضيء بدلاً من الشمعة(6)

المراجع:
(1)المصدر السابق –ص21-23.
(2)أحمد السباعي (المصدر السابق)-ص351.
(3)محسن الأمين (المصدر السابق)-ص32.
(4)حافظة وهبة(جزيرة العرب في القرن العشرين )-القاهرة 1967،ص226.
(5)محسن الأمين (المصدر السابق) –ص35.
(6)المصدر السابق-ص35.

قد يعجبك ايضا