“قصة الأشراف وابن سعود”.. الحلقة (5)

المساء برس – سلسلة حلقات خاصة| لمن أراد أن يفهم ما يحدث الآن في الشرق الأوسط

إن ما نضعه بين يدي القارئ هي قراءة تاريخية بحتة وغير متحيزة، لأحداث الشرق الأوسط خلال القرن الماضي لما لها من أهمية بالغة لا تزال تأثيراتها حاضرة حتى وقتنا الحالي.

توطئة المؤلف:
لقد ترافق قيام دولة آل سعود (المملكة العربية السعودية) وانهيار دولة الأشراف في الحجاز (مملكة الحجاز) تغيرات كبيرة أثرت على العالم الإسلامي عموماً والمنطقة العربية خصوصاً.
وبقيت آثار تلك التغيرات الكبيرة بارزة إلى وقتنا الحاضر بالرغم من تقادم الزمن وكثرة العواصف التي مرّت بها هذه المنطقة.

الهواشم

مات أبو الفتوح في عام 430هـ فخلفه على الشرافة ابن شكر، وكان قوياً مثله، وجرت بينه وبين السينيين في المدينة حروب انتهت بتغلبه عليهم ، وأصبحت المدينة منذ ذلك الحين خاضعة لشرافة مكة بعدما كانت مستقلة.

مات شكر في عام 453هـ ولم يخلف ولداً ذكراً، بل كانت له بنت واحدة. وكان ذلك سبباً للتنازع والحرب بين أسرتين من الأشراف هي: السليمانيون والهواشم. واستمرت الحروب بينهم مدة طويلة إلى أن تمكن الهواشم من التغلب على خصومهم ، وعند هذا تولى شرافة مكة رئيسهم محمد وهو الذي اشتهر بكنية “أبو هاشم”.

ظلت أسرة الهواشم تحكم مكة حتى عام 598هـ، والمعروف عنها أنها كانت تتقلب في ولائها السياسي بين العباسيين والفاطميين ، فكانت تدعو لهؤلاء تارة ولأولئك تارة أخرى – تبعاً لمن يدفع لهم أكثر(1).

بدأ بهذا التقلب أبو هاشم نفسه، فهو كان في السنوات الأولى من حكمة يدعو للفاطميين في الخطبة ويؤذن بأذانهم. ولكن السلطان السلجوقي ألب أرسلان أرسل إليه من العراق نقيب الطالبيين نور الهدى الزيني، وقد تمكن النقيب في 458هـ من إقناع أبي هاشم بقطع الخطبة للفاطميين والدعاء للعباسيين بدلاً عنهم. وحين وصل الخبر إلى الفاطميين غضبوا عليه وقطعوا المبرة عن الحجاز نكاية به، فاضطر أبو هاشم إلى رد الخطبة إلى الفاطميين وفي عام 463هـ أرسل ألب أرسلان إليه النقيب مرة أخرى وهو يحمل له خلعاً نفسية وثلاثين دينار مع تعهد بمرتب سنوي قدره عشرة آلاف دينار . وكان في صحبة النقيب عسكر ضخم. فقطع أبو هاشم الدعاء للفاطميين وأخذ يدعو للعباسيين وقال في خطبته: “الحمدالله الذي هدانا أهل بيته إلى الرأي المصيب وعوض بنيه لبسة الشباب بعد لبسة المشيب، وأمال قلوبنا إلى الطاعة، ومتابعة إمام الجماعة”(2).

والغريب أن أبا هاشم ظل محافظاً على أذان الشيعة بالرغم من دعائه للعباسيين، فأرسل إليه العباسيون الشريف أبا طالب لإقناعه بترك أذان الشيعة.

وقد حاوره أبو طالب في ذلك كثيراً، فقال له أبو هاشم: هذ أذان أمير المؤمنين علي بن أبي طالب “فرد عليه أبو طالب قائلاً: إن ذلك لم يصح عنه وإنما فعله ابن عمر في بعض أسفاره ، فما أنت وابن عمر ؟” فاقتنع أبو هاشم بهذا وأسقط أذان الشيعة وعاد إلى أذان أهل السنة(3).

لم يستمر أبو هاشم على الدعاء للعباسيين طويلاً والواقع أنه كان يتحول بين العباسيين والفاطميين تبعاً لضغط الظروف أو إغراء النقود. واضطر العباسيون في عام 484هـ أن يعاملوه بسياسة العنف، حيث وجهوا إليه قوة من الأتراك، وجرى بيته وبين الأتراك قتال شديد. وكان ذلك بداية الفتن الطائفية في مكة، إذا أصبحت مواسم الحج في السنوات التالية موضع تنافس وخصام بين أتباع العباسيين والفاطميين، كل فريق منهم يريد الدعاء والأذان له في الكعبة.

قتادة

في عام 598هـ انتهت إمارة الهواشم على يد خصم لهم من الاشراف اسمه قتادة بن إدريس . فقد كان هذا الرجل في بداية أره يسكن مع قومة بالقرب من يبنع في حالة شبه بدوية . وكان يطمح للحصول على شرافة مكة وفي 27رجب 598هـ بينما كان أهل مكة مشغولين باحتفال لهم فاجأهم قتادة بهجوم صاعق، واستطاع بسهولة أن يستولي على مكة وأن يطرد الهواشم منها .

أخذ قتادة يدعو للخليفة العباسي الناصر لدين الله . وفي عام 600هـ أرسل إليه الخليفة الناصر يستدعيه إلى بعداد ، ووعد ومناه ، فاستجاب قتادة له ، ورحل متوجهاً إلى العراق . وعندما وصل إلى مقربة من النجف ، وكان قد خرج لاستقباله جمع غفير من الناس شاهد بينهم درويشاً وهو يقود أسداً بسلسلة . فتشاءم قتادة من هذا المنظر وقال : لا أدخل بلاداً تذل فيها الأسود” ثم عاد من فوره إلى الحجاز ن وكتب إلى الخليفة الناصر خمسة ابيات نقل منها البيتين الأول والأخير وهما:
بلادي وإن جارت علي عزيزة ولو أنني اعرى بها واجوع
وما أنا إلا المسك في غير أرضكم أضوع وأما عندكم فأضيع (4)

غضب الناصر من هذه الأبيات غضباً شديداً ، وكتب إلى قتادة يهدده قائلاً “أما بعد ، فإذا نزع الشتاء جلبابه ، ولبس الربيع أثوابه ، قاتلناكم بجنود لاقبل لكم بها، ولنخرجنكم منها أذله وأنتم صاغرون ” ثم أعد الناصر كتيبة من الجند وأرسلها إلى مكة لتأديب قتادة.

استعد قتادة لقتال الكتيبة الناصرية ، وأرسل إلى أبناء عمه الحسينيين في المدينة يستنجد بهم وكتب لهم هذه الأبيات:
بني عمنا إنا كأفنان دوحة فلا تتركونا يتخذنا الفنا فنا
إذا مــا أخ خــلــى أخــاه لآكــل بـدا بأخـيه الاكـل ثـم بـه ثنـى
وقد استجاب الحسينيون لاستنجاد قتادة ، فجاؤول بجميعهم إلى مكة وحين وصلت الكتيبة الناصرية إليها قابلها الحسنيون والحسينيون معاً فهزموها وبددوا شملها .(5)

لم يمض على هذه الحادثة سوى سنة واحدة تقريباً حتي نشبت الحرب بين الحسنيين والحسينيين ، ووقع قتال شديد بينهما في موضوع بقال له “ذو الحليفة” انتصر فيه قتادة ، وقال في ذلك بيتاً من الشعر هو:
مصارع آل المصطفى عدت مثلما بدأت ولكن صرت بين الأقارب

وقد اتجه قتادة بعد انتصاره نحو المدينة فحاصرها وكان الحسينيون في المدينة بقيادة رجل منهم اسمه سالم بن قاسم . وقد تمكن هذا الرجل من فك الحصار عن المدينة ، قم أخذ يطارد قتادة حتى وصل إلى مكة وحاصرها ، وأرسل إلى قتادة يقول له “حصر بحصر يا ابن عم ” ولم يستطع سالم لاستمرار في الحصار لان بعض أصحابه تفرقوا عنه بإغراء من قتادة ، فعاد إلى المدينة”(6).

دام حكم قتادر تنحو عشرين سنة ، قضى معظمها في الحروب ، وفي نهب الحجاج . وقد وصفه صاحب كتاب عمدة الطالب بقوله . وكان قتادة جباراً فاتكاً فيه قسوة وتشدد وحزم”(7) ووصفه شاهد عيان بقوله : رأيته يطوف بالبيت ويدعو بتضرع وخشوع ، والريس على زمم يدعو له ، وهو كالأسد شجاعة ، والقطب خشوعاً وتضرعاً ، والبدر كمالاً وبهاة”(8)

كان قتادة يقول : أنا أحق من الناصر العباسي بالخلافة ” وهو قد أعاد إلى الأذان عبارة ” حي على خير العمل ” وفي عام 618قتله بانه حسن ، وقيل قتله خنقاً ، قم تولى الشرافة بعده . ويقول عبدالملك العصامي – وهو من أهل مكة – في التعليق على ذلك ما نصه: ثم رأد ظلم قتادة في الناس وأذاء للحجاج من العراقيين وغيهم ، وأظهر التعدي حتى ضج الناس ، وفسدت نيته على الخليفة الناصر العباسي . فارتفعت الأيدي بالدعاء عليه فقتله الله حتى بيد ابنه حسن بن قتادة..(9)

المراجع:
Shorter Encyclopaedia of hlam – art. MeOCCa (1 )
(2)عبدالملك العصامي (المصدر السابق)-ج4، ص200.
(3)أحمد السباعي (المصدر السابق)-ص135.

(4)أحمد الداودي (المصدر السابق)-115-116.
(5)عبدالملك (المصدر السابق) –ج4ن ص 209.
(6)المصدر السابق-ج4،ص209-210.
(7)أحمد الداودي (المصدر السابق)-ص115.
(8)عبدالملك العصامي(المصدرالسابق)-ج4ص212
(9)المصدر السابق-ج4، ص213

قد يعجبك ايضا