“قصة الأشراف وابن سعود” الحلقة (1)

المساء برس – سلسلة حلقات خاصة| لمن أراد أن يفهم ما يحدث الآن في الشرق الأوسط

إن ما نضعه بين يدي القارئ هي قراءة تاريخية بحتة وغير متحيزة، لأحداث الشرق الأوسط خلال القرن الماضي لما لها من أهمية بالغة لا تزال تأثيراتها حاضرة حتى وقتنا الحالي.

وهذا الكتاب عند قراءته يمكن من خلاله فهم طبيعة ما يحدث في الشرق الأوسط في الوقت الحالي بالنظر إلى تشابه الأحداث مطلع القرن الماضي مع الأحداث التي تعيشها المنطقة اليوم، وفهم طبيعة التدخلات الغربية في المنطقة والصراع على النفوذ وعلاقة بريطانيا والولايات المتحدة وإسرائيل فيما يحدث اليوم.

قصة الأشراف وابن سعود هو كتاب من ضمن مجموعة (لمحات اجتماعية من تاريخ العراق الحديث) للمؤلف والمؤرخ العربي علي الوردي.

توطئة:

لقد ترافق قيام دولة آل سعود (المملكة العربية السعودية) وانهيار دولة الأشراف في الحجاز (مملكة الحجاز) تغيرات كبيرة أثرت على العالم الإسلامي عموماً والمنطقة العربية خصوصاً.

وبقيت آثار تلك التغيرات الكبيرة بارزة إلى وقتنا الحاضر بالرغم من تقادم الزمن وكثرة العواصف التي مرّت بها هذه المنطقة.

الحلقة الأولى: نزاع الحسين وابن سعود وأحداث سوريا

مقدمة عن نزاع الحسين وابن سعود:

يضم هذا الملحق تفاصيل مسهبة عن النزاع بين الحسين بن علي وعبدالعزيز بن سعود، وهو نزاع يمكن اعتباره نموذجاً لما يجري بين البشر من تنازع على البقاء حيث يعتقد كل فريق منهم أن الحق معه وحده، وأن الباطل مع خصمه. ونحن إذ ندرسه الآن دراسة موضوعية حيادية نجد أن كلاً من الفريقين إنما يأخذ من الحقيقة الجانب الذي يعجبه وينبذ الجانب الآخر.

إني أدركت في صباي الزمن الذي كان فيه الصراع محتدماً بين الحسين وابن سعود ورأيت الناس في العراق منقسمين إلى فريقين: أحدهما هاشمي الهوى والآخر سعودي. وكنت كغيري من الناس مندفعاً بما تمليه عليَّ بيئتي الاجتماعية، فكنت أتعصب لما يتعصّبون له، وأنطق كما ينطقون. ولكني بعدما مرّت بي تجارب الحياة واطّلعت على أسرار التاريخ أدركت أني كنت أنظر إلى الحقيقة من جانب واحد، وأن هناك جانباً آخر ينبغي النظر إليه أيضاً.

إن نزاع الحسين وابن سعود يمثل صراعاً بين شخصيتين متضادتين – على نحو ما صوّره برنارد شو في مسرحياته. فإحداهما مثالية مليئة بالأحلام والمبادئ، والثانية واقعية لا تميل إلى الأحلام والمثل بل تريد النجاح في الدنيا ولا تبالي بغيره. ومشكلة هذه الدنيا إن الشخصية الأولى كثيراً ما تخفق فيها وتتألم، وإن الثانية كثيراً ما تنجح وتزهو. ومن الممكن القول إن كُلاً من هاتين الشخصيتين لها دورها في مسيرة التاريخ، ولا بد للتاريخ من وجود عاملين يتفاعلان عليه أحدهما مثالي والآخر واقعي.

مقدمة عن أحداث سوريا:

إن الفصل الخاص بأحداث سوريا هو أكبر الفصول في هذا الملحق، ولا أكتم القارئ أن هذا الفصل أجهدني كثيراً، ولعله أكثر الفصول إجهاداً لي في جميع الكتب التي ألفتها.

يبحث هذا الفصل في الفترة التي تولّى فيها فيصل بن الحسين الحكم في سوريا، وهي فترة امتدّت نحو سنتين، فيما بين تشرين الأول 1918 وتموز 11920، وكانت فترة صاخبة مليئة بالعبر، ومن الجدير بكل قارئ عربي أن يطّلع على أحداثها ويعتبر بها.

إن سوريا كانت خلال تلك الفترة القصيرة أول دولة عربية في العصر الحديث تنال استقلالها وتحكم نفسها على الطريقة الديمقراطية الغربية. ولم يكن فيصل آنذاك قد تعلّم فن السياسة جيداً، وقد حاول أن يكون حاكماً شعبياً، فكان لا يبت في أمر قبل أن يستشير الشعب فيه. ولكن التجارب القاسية التي عاناها في تلك الفترة علّمته دروساً لم يستطع نسيانها طيلة حياته.

وحين أصبح ملكاً في العراق بعدئذٍ كانت الدروس التي تعلمها في سوريا نصب عينيه دائماً، ولهذا رأيناه يتبع في العراق سياسة مزدوجة، إذ كان يداري الشعب تارة ويداري الإنجليز تارة أخرى، وقد قاسى من جرّاء ذلك ما قاسى، وكان ذلك من أسباب موته المبكر.

إن كثيراً من العراقيين قد تولّوا المناصب العالية في سوريا خلال تلك الفترة، ولما عادوا إلى العراق بعدئذٍ كان لهم النصيب الأكبر من المناصب العالية فيه. ولكن الدروس التي تعلّموها في سوريا كانت متفاوتة الأثر فيهم. فمنهم من تعلم كثيراً، ومنهم من تعلم قليلاً، ومنهم من لم يتعلّم شيئاً.

وحاول فيصل أن يكون فيهم كقائد الأوركسترا ينظم عزفهم. وقد نجح في ذلك إلى حدّ غير قليل. ولكنه لم يكد يموت في عام 1933 حتى صاروا يتكالبون على الحكم تكالباً عجيباً، ومرّت فترة أمدها ثماني سنوات كانت أبشع فترة في تاريخ العراق المعاصر. يقول الأمير زيد: “بعد فيصل الأول ابتعد حكّام العراق عن الشعب. صاروا لا يعرفون ما يريد الشعب. حذرت ونبهت ولكن لم يسمع مني أحد”(1).

مراجع: (1) سليمان موسى (مذكرات الأمير زيد) – عمان 1976 – ص204.

قد يعجبك ايضا