اليمن “ساحة الصراع الخلفية” أحد أسباب انهيار حلف الخليج

المساء برس – تحليل/

من الممكن أن نعتبر اليمن ساحةً خلفيةً للصراعات الإقليمية في الشرق الأوسط، فهي أرضٌ تقوم عليها – بشكل أقلّ من سوريا – حروبٌ بالوكالة وحروب مُباشرة تُنهكها من أجل مصالح الدول المُتقاتلة. انطلقت عاصفة الحزم في اليمن 25 مارس (آذار) 2015، كانت العملية بداية التدخُّل العسكريّ الخليجي في اليمن الذي استمر حتى يومنا هذا ضد الحوثيين الذين استولوا على صنعاء وبدؤوا هجومًا على عدن التي كانت تؤوي الرئيس هادي.

شاركت السعودية في البداية بثقلٍ عسكريٍّ كبير، وتبعها في تحالفها دول الخليج باستثناء سلطنة عُمان، وشاركت الأردن والمغرب ومصر كذلك، ولكنّ مشاركة هذه الدول كانت بالتأييد السياسي ثم بالتدخل الجوي، أما الإمارات فقد كانت الحليف الأكثف حضورًا فقد انضمت لاحقًا بلواءٍ عسكريٍّ كامل وبنفوذٍ أرضيٍّ قويٍّ في جنوب اليمن وعلى خطها الساحلي الذي لعبت دورًا رئيسيًا في الاستيلاء عليه، وتبعتها قطر بإرسال ألف جندي إلى اليمن.

“لماذا تتدخّل الإمارات في اليمن؟”

اليمن عنصرٌ مهم في المحيط الجيوستراتيجي للإمارات وأمنها القومي، ودفعها للمشاركة بقوة أكبر صواريخ سكود الباليستية التي أُطلقت على العاصمة السعودية الرياض من اليمن، عدا عن اقتراب الحوثيين الشديد – في لحظةٍ ما من الحرب – من الحدود السعودية الجنوبيّة.

يرى الباحث جورجو كافيرو وزميله داينال واغنر أنّ «الإمارات استثمرت بشكلٍ كثيفٍ في التسلُّح لحماية أجندتها الخارجية للتصدِّي للحركات الديمقراطية والإسلامية»، ويريان أنَّ هذا الانتشار الأرضيّ «للتأكيد على الإمارات بوصفها قوةً عسكرية عربية حازمة»، ثمَّ يذكران أنّ من النتائج التي ترجوها الإمارات – ودول الخليج عمومًا – هي تشتيت الأنظار الداخلية عن غياب الديمقراطية، ومحاولة لتعزيز القومية والوطنيّة داخل هذه الدول.

هذه الأسباب ليست كافية ولا مُبرّرة لتدخلٍّ كبير كالذي حدث في اليمن، أيُّ بحثٍ سريع عن المصالح الإماراتية في اليمن يُحيلنا فورًا إلى المضائق المائية والموانئ البحرية، المُحرك الأول والأساسي لكثير من التحركات الإماراتية.

1- ساحل اليمن الجنوبي: ميناء عدن

لعبت القوات الإماراتية دورًا هامًا في جنوب اليمن، فلم تكتفِ بتواجدها هناك وإنما بدأت تُموّل وتدرّب ميليشيات تُحسب على المعارضة اليمنيّة، وأهمها وأبرزها قوات الحزام الأمني، التي تُدرّب – رسميًا – برعاية الإمارات.

منعت قوَّات إماراتية طائرة الرئيس اليمني هادي من النزول في مطار عدن، وقاتلت حرسه الرئاسي، كانت هذه الحادثة علامةً مُثيرة لكثير من الشكوك والتساؤل حول الدور الإماراتي في اليمن، الذي يبدو أنه تجاوز حدوده بطريقة دفعت بالرئيس اليمني ليقول إن «محمد بن زايد يتصرف كمُحتلٍّ لليمن وليس كأحد محرريها»، بل تعدى ذلك إلى التصريح باتهام الإمارات بسعيها لتقسيم اليمن في محاولة للحفاظ على وجودٍ دائم هناك، ونفوذٍ أكبر في منطقة الخليج.

عملت الإمارات في جنوب اليمن على تحرير خط الساحل من أي قوّة أخرى غير إماراتية بهدف السيطرة على ميناء عدن، الذي كانت تُسيطر عليه – سابقًا – شركة «موانئ دبي» التابعة لإمارة دبي، إذ حصلت على عقد وُقّع عام 2008 في عهد الرئيس المخلوع علي عبد الله صالح، يسمح العقد بإدارة ميناء عدن، مدة العقد طويلة جدًا تصل إلى 100 عام، لم يكن التنازل عن إدارة أهم الموانئ اليمنية والعالمية هو المشكلة الوحيدة، ولكن زاد الطين بلة عدم التزام الإمارات ببنود الاتفاق – الذي تفوح منه رائحة الفساد – التي ينص بعضها على تطوير الميناء وزيادة قدرته الاستيعابية، الأمر الذي حصل نقيضه تمامًا حيث اهترأت أدوات ومرافق الميناء، ورافق ذلك رفع أسعار خدمات الميناء 80% مما حفّز على الذهاب إلى الموانئ الأخرى المُجاورة بدًلا من ميناء عدن، وأهمّ الموانئ المجاورة هي الموانئ الإماراتية، ولكن، بعد فوز الرئيس هادي في الانتخابات عام 2012 قام بإلغاء العقد لعدم التزام الإمارات.

اليوم تعود الإمارات إلى عدن ومينائها بالقوة، «وإن كان التدخل الإماراتي يسعى لتثبيت صورة دولة قوية قادرة على حماية نفسها، إلا أنه بشكل أساسي لتثبيت الأوضاع الراهنة من استقرار سياسي وازدهار اقتصادي للإمارات، ولو كان على حساب هدم ديمقراطيات أخرى»، أو حتى لو كانت الفاتورة تقسيم اليمن إلى جنوب وشمال.

الحرب المدنيّة في اليمن «صراعاتٌ تحوي صراعات»، بين اليمنيين ضد بعضهم البعض، وبينهم وبين الداخلين الجدد، وبين الداخلين الجدد أنفسهم، قد يُبرر هذا ما قالته وكالة رويترز للأنباء بأنّ «الوحدة في اليمن بعيدة المنال».

دخول الإمارات في اليمن قويّ بطريقة يصعبُ الرجوع عنها، فقد درّبت الإمارات 11 ألف مقاتل من حضرموت و14 ألفًا آخرين من عدن وثلاث محافظات أخرى، وفقًا لرويترز. ويعمل هؤلاء المُقاتلون برواتب مدفوعة إماراتيًا.

2- ساحل اليمن الغربي: مضيق باب المندب

تتعاظم أهمية الساحل الجنوبي إذا اتصلَ بالساحل الغربي تحت قبضة واحدة. وسبب هذه الأهمية الكبرى هو مضيق باب المندب، الذي يفصل الجزء الغربي من السعوديّة عن خليج العرب (في الجنوب)، ويفتح الباب لموانئ غرب السعودية وشرق مصر للنفاذ إلى إفريقيا حتى وسطها وجنوبها ومن هناك إلى العالم، ومن المهم أن نذكر أن باب المندب يُشرف على أحد أهم خطوط الإمداد للغاز والنفط في العالم، لتصديرهما نحو أوروبا وأمريكا الشمالية.

في مطلع 2017، أُعلن البدء بعملية بحريّة واسعة النطاق لتأمين الساحل الغربي اليمني كاملًا، والذي يصل طوله إلى أكثر من 500 كم، استطاعت عملية «الرمح الذهبي» أن تطبق سيطرتها حتى الآن على أكثر من نصف الساحل الغربي، واستمرت العملية بسرعة كبيرة تحت إدارة إماراتية بشكل رئيس.

مع قوّة إيرانية مبسوطة على مضيق هرمز تأكّد لدوائر الحكم في الرياض أن أي مواجهة قادمة مع إيران ستكون بثمن باهظ جدًا؛ تدخلٌ وتأثير على مرور النفط السعودي من خلال مضيق هرمز، ما يعني إضرارًا مباشرًا بأحد أهم مصادر الدخل السعودي وأقواها.

لذا لا بد للسعودية من أن تتجه لمنافذ أخرى، وأقربها لها وأهمها مضيق باب المندب، ولكن مرةً أخرى، ستجدُ الرياض أن أبو ظبي سبقتها إلى باب المندب بقواتها المنتشرة على طول السواحل اليمنية. هل يمكن للسعودية أن تتجاهل ثغرة خطيرة كهذه؟ نعم! لفترة من الزمن، ولكن ماذا عن موقفها عند وقوع أيّة أزمة في مضيق هرمز؟ حينئذ ستكون السعودية قد سهّلت لإيران الحصول على ورقة ضغط خطيرة مُقدمة على طبق من ذهب.

هذا يُفسّر الدعم السعودي الكبير للرئيس اليمني ولحكومته، فالسعودية وهادي كلاهما ضد انفصال شمال اليمن عن جنوبه الذي تكبّدت الإمارات قوات عسكرية وأموالًا ضخمة للسيطرة عليه إما بفصله أو بأيّ طريقة أخرى.

من مقالة تحليلية موسعة لموقع “ساسة بوست”

قد يعجبك ايضا